(الأولى) التعاقب هو أن يأتي هذا في عقب هذا وهذا في عقب هذا على باب المفاعلة وقوله يتعاقبون جاء على لغة بني الحارث وهي أنهم يلحقون علامة الفاعل للجمع والتثنية مع تقدم الفعل وهم القائلون أكلوني البراغيث وهي لغة معروفة وعليها حمل nindex.php?page=showalam&ids=13674الأخفش قوله تعالى وأسروا النجوى الذين ظلموا ولم يحمل بعضهم الآية الكريمة على هذه اللغة ، بل جعل الضمير في قوله وأسروا عائدا إلى الناس المتقدم ذكرهم وجعل الذين ظلموا بدلا من الضمير فيكون هذا بدل البعض من الكل ، والظاهر أن الحديث أسقط منه بعض الرواة ذكر الملائكة في أول الحديث فقد ثبت في صحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم زيادتها الملائكة nindex.php?page=hadith&LINKID=688617يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار وهذا واضح وأبعد الشيخ أثير الدين أبو حيان النجعة فنسب هذه الرواية إلى مسند nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار وهي ثابتة في صحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم كما ذكرنا والله أعلم .
(الثانية) اختلف العلماء في المراد بهؤلاء الملائكة هل هم الحفظة أو غيرهم ؟ فحكى صاحب المفهم عن الجمهور أنهم الحفظة وقال : إن الأظهر عنده أنهم غير الحفظة وما ذكر أنه الأظهر هو الذي لا يتجه غيره ؛ لأنه لم ينقل أن حفظة الليل غير حفظة النهار وهذا الحديث لا يدل لما حكاه عن الجمهور .
وفي الصحيحين من حديث nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى من صلى البردين دخل الجنة .
(الخامسة) قوله ثم يعرج الذين باتوا فيكم ولم يذكر عروج الملائكة الذين كانوا بالنهار ولا أن الله تعالى يسألهم كيف تركتم عبادي كما يسأل ملائكة الليل فهل يظهر لذلك معنى أم لا ؟ والجواب عنه من ثلاثة أوجه :
(أحدها) أن الليل محل اختفاء واستتار عن الأعين وإغلاق الناس أبوابهم على ما يبيتون عليه فكان سؤال ملائكة الليل أبلغ في أنهم لم يروا إلا خيرا من مجيئهم إليهم وهم يصلون وتركهم وهم يصلون بخلاف النهار ، فإنه محل الانتشار والإظهار وإن أمكن الاختفاء فيه والإظهار في الليل ولكن جرى ذلك على غالب الأحوال .
(والوجه الثاني) أن ملائكة الليل إذا صلوا معهم الصبح عرجوا فحسن سؤالهم ليجيبوا بما فارقوهم عليه وملائكة النهار قد لا يعرجون بعد الصلاة بل يستكملون في الأرض بقية النهار ؛ لأنهم يضبطون ما وقع في جميع النهار بناء على القول بأنهم الحفظة وعلى تقدير كونهم غير الحفظة فقد أخبر أنهم nindex.php?page=hadith&LINKID=650522ملائكة بالليل وملائكة بالنهار والظاهر منهم استيعاب النهار وإذا لم يفارقوا بني آدم عقب الصلاة أمكن أن يطرأ بعد الصلاة ما لا يريد الله تعالى منهم الإخبار به وهو أعلم أو ما لا يريدون هم أن يشهدوا به فلم يسألهم عن ذلك .
(والوجه الثالث) أنه يحتمل أن يكون إنما تعرج ملائكة الليل فقط ، وأنهم الذين يعرجون وينزلون وأن ملائكة النهار هم الحفظة لا يفارقون بني آدم ويقوي هذا الثالث أنه لم ينقل لنا عروج ملائكة النهار ، وفيه موافقة الجمهور في أن المراد الحفظة فيحمل على أن الحفظة ملائكة النهار وأنهم مقيمون مع بني آدم وأن ملائكة الليل غير الحفظة ينزلون من العصر إلى صلاة الصبح ولا يضر في ذلك قوله يتعاقبون إذ التعاقب يقتضي الاشتراك فقد يرد التفاعل على غير بابه كقولهم طارقت النعل والله أعلم .