(الثانية) استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأمور مع أنه معاذ منها قطعا فائدته إظهار الخضوع والاستكانة والعبودية والافتقار وليقتدي به غيره في ذلك ويشرع لأمته .
(الثالثة) لم يبين في هذه الرواية المحل الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي فيه بهذه الاستعاذة وفي الصحيحين من حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أنه عليه الصلاة والسلام كان يدعو بذلك في صلاته وفي صحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وغيره من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة الأمر بذلك بعد الفراغ من التشهد وفي رواية له تقييد ذلك بالأخير وقد تقدم في الفائدة الأولى ففيه استحباب الإتيان بهذا الدعاء بعد التشهد الأخير وقد صرح بذلك العلماء من أصحابنا وغيرهم وزاد nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم الظاهري على ذلك فقال بوجوبه ولم يخص ذلك بالتشهد الأخير فقال ويلزمه فرضا أن يقول إذا فرغ من التشهد في كلتا الجلستين اللهم إني أعوذ بك فذكرها قال وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=16248طاووس أنه صلى ابنه بحضرته فقال له ذكرت هذه الكلمات ؟ قال لا ، فأمره بإعادة الصلاة انتهى وهذا الآثر عن nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس ذكره nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في صحيحه . بلاغا بغير إسناد .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض : وهذا يدل على أنه حمل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك على الوجوب وقال النووي ظاهر كلام nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس أنه حمل الأمر به على الوجوب فأمر بإعادة الصلاة لفواته وجمهور العلماء على إنه مستحب ليس بواجب ولعل طاووسا أراد تأديب ابنه [ ص: 108 ] وتأكيد هذا الدعاء عنده لا أنه يعتقد وجوبه انتهى .
وكذا قال أبو العباس القرطبي يحتمل أن يكون إنما أمره بالإعادة تغليظا عليه لئلا يتهاون بتلك الدعوات فيتركها فيحرم فائدتها وثوابها انتهى وما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم من وجوب ذلك عقب التشهد الأول لم يوافقه عليه أحد ثم إنه ترده الرواية التي تقدم ذكرها من عندnindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم التي فيها تقييد التشهد بالأخير فوجب حمل المطلق على المقيد لا سيما والحديث واحد مداره على nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه .
وقد أورد nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم هذه الرواية على نفسه وقال فهذا خبر واحد وزيادة nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم زيادة عدل فهي مقبولة فإنما يجب ذلك في التشهد الأخير فقط ثم أجاب عنه بقوله لو لم يكن إلا حديث محمد بن أبي عائشة وحده لكان ما ذكرت لكنهما حديثان كما أوردنا أحدهما من طريق nindex.php?page=showalam&ids=12031أبي سلمة والثاني من طريق محمد بن أبي عائشة وإنما زاد الوليد على وكيع بن الجراح وبقي خبر nindex.php?page=showalam&ids=12031أبي سلمة على عمومه فيما يقع عليه اسم تشهد انتهى وهو مردود لأن محمد بن أبي عائشة وأبا سلمة كلاهما يرويه عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة فهو حديث واحد لا حديثان ثم إن سنة الجلوس الأول التخفيف فيه عند الأئمة الأربعة وغيرهم وفي سنن nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=662704كان في الركعتين الأوليين كأنه على الرضف قلنا حتى يقوم قال حتى يقوم وصححه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم على شرط الشيخين
وحكى nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر عن nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي أن من زاد فيه على التشهد ، عليه سجدتا السهو وعن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه أباح أن يدعو فيه بما بدا له ولم يستحضر الشيخ تقي الدين في شرح العمدة هذه الرواية المقيدة بالأخير فقال قوله إذا تشهد أحدكم .
عام في التشهد الأول والأخير وقد اشتهر بين الفقهاء التخفيف في التشهد الأول وعدم استحباب الذكر بعده حتى سامح بعضهم في الصلاة على الأول فيه والعموم الذي ذكرناه يقتضي الطلب لهذا الدعاء فمن خصه فلا بد له من دليل راجح وإن كان نصا فلا بد من صحته انتهى وقد عرفت المخصص والله أعلم .
(الرابعة) قال الشيخ تقي الدين قد ظهرت العناية بالدعاء بهذه الأمور حيث أمرنا بها في كل صلاة وهي حقيقة لعظم الأمر فيها وشدة البلاء في وقوعها ولأن كلها أو أكثرها أمور ثمانية غيبية فتكررها على الأنفس [ ص: 109 ] يجعلها ملكة لها انتهى .
(الخامسة) المحيا مفعل من الحياة والممات مفعل من الموت ويقع على المصدر والزمان والمكان قال النووي واختلفوا في المراد بفتنة الموت فقيل فتنة القبر وقيل يحتمل أن يراد به الفتنة عند الاحتضار قال وأما الجمع بين فتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال وعذاب القبر فهو من باب ذكر الخاص بعد العام ونظائره كثيرة انتهى .
وقال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة فتنة المحيا ما يتعرض له الإنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات وأشدها وأعظمها والعياذ بالله تعالى أمر الخاتمة عند الموت قال وفتنة الممات يجوز أن يراد بها الفتنة عند الموت أضيفت إلى الموت لقربها منه وتكون فتنة المحيا على هذا ما يقع قبل ذلك في مدة حياة الإنسان وتصرفه في الدنيا فإن ما قارب الشيء أعطي حكمه فحالة الموت تشبه الموت ولا تعد من الدنيا ويجوز أن يراد بفتنة الممات فتنة القبر كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فتنة القبر كمثل أو أعظم من فتنة الدجال قلت المعروف في لفظ الحديث أو قريبا من فتنة الدجال والله أعلم .
قال الشيخ تقي الدين ولا يكون هذا متكررا مع قوله من عذاب القبر لأن العذاب مرتب على الفتنة والسبب غير المسبب ولا يقال إن المقصود زوال عذاب القبر لأن الفتنة نفسها أمر عظيم وهو شديد يستعاذ بالله من سوئه انتهى قلت هذا مبني على أن المراد بالفتنة الامتحان والاختبار وهو الظاهر فأما إن حملت الفتنة على العذاب كما في قوله تعالى إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات أي عذبوهم فتتحد فتنة القبر مع عذاب القبر والأولى حمل الفتنة على الامتحان والاختبار ليحصل التغاير لا سيما وقد ذكروا أن هذا هو أصل مدلول الفتنة والله أعلم .
(السادسة) المشهور في لفظ المسيح الدجال أنه بفتح الميم وكسر السين المهملة وتخفيفها وبالحاء المهملة كالمسيح ابن مريم عليه السلام إلا أنه مسيح الهدى وذاك مسيح الضلالة سمي به لمسح إحدى عينيه فيكون بمعنى مفعول وقيل لمسحه الأرض فيكون بمعنى فاعل وقيل التمسح والتمساح المارد الخبيث فقد يكون فعيلا من هذا وقال nindex.php?page=showalam&ids=15611ثعلب في نوادره التمسح والممسح الكذاب فقد يكون من هذا أيضا وضبطه بعضهم بكسر الميم [ ص: 110 ] وتشديد السين حكي عن ابن أبي مروان بن سراج وأنكره الهروي وقال ليس بشيء وضبط بوجهين آخرين هما بفتح الميم مع تخفيف السين وكسر الميم مع تشديد السين مع الخاء المعجمة فيهما يقال مسخ خلقه أي شوه وقيل هو الممسوخ العين والمسيخ الأعور وقال بعضهم أصله بالعبرانية مشيح أي بالشين المعجمة والحاء المهملة فعرب كما عرب موسى وأما الدجال فقيل معناه الكذاب وقيل المموه بباطله وسحره الملبس به والدجل طلي البعير بالقطران وقيل سمي بذلك لضربه نواحي الأرض وقطعه لها يقال دجل الرجل بالتخفيف والتثقيل كما ذكره القاضي في المشارق وبالفتح والضم كما ذكره في الإكمال شرح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم إذا فعل ذلك وقيل هو من التغطية لأنه يغطي الأرض بجموعه والدجل التغطية ومنه سميت دجلة لتغطية ما فاضت عليه
(السابعة) استدل به nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال nindex.php?page=showalam&ids=14961والقاضي عياض وغيرهما على جواز الدعاء في الصلاة بما ليس من القرآن خلافا nindex.php?page=showalam&ids=11990لأبي حنيفة فإنه قال لا يجوز أن يدعو في الصلاة إلا بما يوجد في القرآن قال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاووس وهو استدلال واضح لكن فيما حكوه عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة نظر فإنه لا يقصر ذلك على ما في القرآن بل يلحق به في الجواز الأدعية المأثورة والذي يمتنع الدعاء به في الصلاة عند الحنفية ما يشبه كلام الناس وهو ما لا يستحيل سؤاله من العباد فلا يرد عليه بهذا الحديث لكن يرد عليه بغيره من الأحاديث والله أعلم .
(الثامنة) قال nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض جاء دعاؤه عليه الصلاة والسلام في هذه الأحاديث وغيرها جملة كقوله فتنة المحيا والممات فقد أدخل فيه جميع دعاء الدنيا والآخرة وجاء تفصيلا كقوله أعوذ بك من المأثم والمغرم وهذا داخل في فتنة المحيا وجاء دعاؤه بالتعوذ من عذاب القبر وعذاب النار وفتنة القبر وهو داخل في فتنة الممات فدل على جواز الدعاء بالوجهين وقد جاءت الأحاديث بالأمر بالدعاء إلى الله تعالى في كل شيء وإن كان قد روي عن بعض السلف استحباب الدعاء بالجوامع كما تقدم في الاستعاذة من فتنة المحيا والممات وسؤال العفو والعافية في الدنيا والآخرة ولكل مقام مقال ا هـ .
(التاسعة) فيه ذكر العام بعد الخاص لأن عذاب النار وعذاب القبر من فتنة الممات وذكر الخاص بعد العام لأن شر المسيح الدجال من فتنة انمحيا [ ص: 111 ]
(العاشرة) فيه إثبات عذاب القبر وهو مذهب أهل الحق خلافا للمعتزلة وقد اشتهرت به الأحاديث حتى كادت أن تبلغ حد التواتر والإيمان به واجب