ترك المصنف رحمه الله قسما ثالثا من أنواع التدليس وهو شر الأقسام، وهو الذي يسمونه تدليس التسوية، وقد سماه بذلك nindex.php?page=showalam&ids=12858أبو الحسن بن القطان وغيره من أهل هذا الشأن.
وصورة هذا القسم من التدليس: أن يجيء المدلس إلى حديث سمعه من شيخ ثقة، وقد سمعه ذلك الشيخ الثقة من شيخ ضعيف، وذلك الشيخ الضعيف يرويه عن شيخ ثقة، فيعمل المدلس الذي سمع الحديث من الثقة الأول، فيسقط منه شيخ شيخه الضعيف، ويجعله من رواية شيخه الثقة عن الثقة الثاني بلفظ محتمل كالعنعنة ونحوها، فيصير الإسناد كله ثقات، ويصرح هو بالاتصال بينه وبين شيخه؛ لأنه قد سمعه منه فلا يظهر حينئذ في الإسناد ما يقتضي عدم قوله إلا لأهل [ ص: 447 ] النقد والمعرفة بالعلل.
ومثال ذلك ما ذكره أبو محمد بن أبي حاتم في كتاب العلل قال: سمعت أبي وذكر الحديث الذي رواه nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق بن راهويه عن بقية قال: حدثني أبو وهب الأسدي، عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر مرفوعا: "لا تحمدوا إسلام المرء حتى تعرفوا عقدة رأيه" فقال أبي: إن هذا الحديث له أمر قل من يفهمه، روى هذا الحديث عبيد الله بن عمرو، عن إسحاق بن أبي فروة، عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: "وعبيد الله بن عمرو كنيته أبو وهب وهو أسدي، فكناه بقية، نسبه إلى بني أسد لكيلا يفطن له حتى إذا ترك إسحاق بن أبي فروة من الوسط لا يهتدى له، قال: وكان بقية من أفعل الناس لهذا" انتهى.
وممن كان يصنع هذا النوع من التدليس nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم. [ ص: 448 ] وحكي أيضا عن nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري.
فأما nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم فحكى nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني عنه أنه كان يفعله، وروينا عن أبي مسهر قال: "كان nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم يحدث بأحاديث nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي عن الكذابين، ثم يدلسها عنهم" وروينا عن صالح جزرة قال: "سمعت nindex.php?page=showalam&ids=15461الهيثم بن خارجة يقول: قلت nindex.php?page=showalam&ids=15500للوليد بن مسلم: قد أفسدت حديث nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي، قال: كيف؟ قلت: تروي عن nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي، عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع. وعن nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري. وعن nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي، عن يحيى بن سعيد. وغيرك يدخل بين nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي وبين nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع عبد الله بن عامر الأسلمي، وبينه وبين nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري إبراهيم بن مرة وقرة. قال: أنبل nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي أن يروي عن مثل هؤلاء. قلت: فإذا روى عن هؤلاء وهم ضعفاء أحاديث مناكير فأسقطتهم أنت وصيرتها من رواية nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي عن الثقات ضعف nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي. فلم يلتفت إلى قولي".
[ ص: 449 ] وأما nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري فقال nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب في الكفاية: كان nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري وبقية يفعلون مثل هذا. فالله أعلم.
قال شيخنا الحافظ أبو سعيد العلائي في كتاب (جامع التحصيل): "وبالجملة فهذا النوع أفحش أنواع التدليس مطلقا وشرها" انتهى.
قلت: ومما يلزم منه من الغرور الشديد أن الثقة الأول قد لا يكون معروفا بالتدليس، ويكون المدلس قد صرح بسماعه من هذا الشيخ الثقة، وهو كذلك، فتزول تهمة تدليسه، فيقف الواقف على هذا السند فلا يرى فيه موضع علة؛ لأن المدلس صرح باتصاله، والثقة الأول ليس مدلسا، وقد رواه عن ثقة آخر، فيحكم له بالصحة، وفيه ما فيه من الآفة التي ذكرناها، وهذا قادح فيمن تعمد فعله. والله أعلم.