وذلك منهم ومن الفقهاء في قولهم في باب القياس: "العلة والمعلول" مرذول عند أهل العربية واللغة.
اعلم أن معرفة علل الحديث من أجل علوم الحديث وأدقها وأشرفها، وإنما يضطلع بذلك أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب.
وهي عبارة عن أسباب خفية غامضة قادحة فيه.
فالحديث المعلل: هو الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته، مع أن ظاهره السلامة منها. ويتطرق ذلك إلى الإسناد الذي رجاله ثقات، الجامع شروط الصحة من حيث الظاهر.
ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي، وبمخالفة غيره له، مع قرائن تنضم إلى ذلك، تنبه العارف بهذا الشأن على إرسال في الموصول، أو وقف في المرفوع، أو دخول حديث في حديث، أو وهم واهم بغير ذلك، بحيث يغلب على ظنه ذلك، فيحكم به، أو يتردد فيتوقف فيه. وكل ذلك مانع من الحكم بصحة ما وجد ذلك فيه.
وكثيرا ما يعللون الموصول بالمرسل، مثل أن يجيء الحديث بإسناد موصول، ويجيء أيضا بإسناد منقطع أقوى من إسناد الموصول، ولهذا اشتملت كتب علل الحديث على جمع طرقه.
قال nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب أبو بكر: "السبيل إلى معرفة علة الحديث أن يجمع بين طرقه، وينظر في اختلاف رواته، ويعتبر بمكانهم من الحفظ ومنزلتهم في الإتقان والضبط".
وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=16604علي ابن المديني قال: "الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه".
ثم قد تقع العلة في إسناد الحديث، وهو الأكثر، وقد تقع في متنه. ثم ما يقع في الإسناد قد يقدح في صحة الإسناد والمتن جميعا، كما في التعليل بالإرسال والوقف، وقد يقدح في صحة الإسناد خاصة من غير قدح في صحة المتن.
فمن أمثلة ما وقعت العلة في إسناده من غير قدح في المتن: ما رواه الثقة يعلى بن عبيد، عن nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري، عن nindex.php?page=showalam&ids=16705عمرو بن دينار، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البيعان بالخيار..." الحديث.
فهذا الإسناد متصل بنقل العدل عن العدل، وهو معلل غير صحيح، والمتن على كل حال صحيح، والعلة في قوله: "عن nindex.php?page=showalam&ids=16705عمرو بن دينار" إنما هو عن nindex.php?page=showalam&ids=16430عبد الله بن دينار، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر، هكذا رواه الأئمة من أصحاب سفيان عنه. فوهم يعلى بن عبيد، وعدل عن nindex.php?page=showalam&ids=16430عبد الله بن دينار إلى nindex.php?page=showalam&ids=16705عمرو بن دينار، وكلاهما ثقة.
[ ص: 501 ] [ ص: 502 ] [ ص: 503 ] النوع الثامن عشر:
69 - قوله: (ويسميه أهل الحديث "المعلول" وذلك منهم ومن الفقهاء في قولهم في باب القياس: العلة والمعلول، مرذول عند أهل العربية واللغة) انتهى.
[ ص: 504 ] وقد تبعه عليه الشيخ محيي الدين النووي فقال في مختصره: إنه لحن,
واعترض عليه بأنه قد حكاه جماعة من أهل اللغة منهم قطرب فيما حكاه اللبلي والجوهري في الصحاح، nindex.php?page=showalam&ids=15253والمطرزي في المغرب، انتهى.
والجواب عن المصنف أنه لا شك في أنه ضعيف وإن حكاه بعض من صنف في الأفعال كابن القوطية، وقد أنكره غير واحد من أهل اللغة nindex.php?page=showalam&ids=13247كابن سيده والحريري وغيرهما.
فقال صاحب المحكم: "واستعمل أبو إسحاق لفظة المعلول في المتقارب من العروض" ثم قال: "والمتكلمون يستعملون لفظة المعلول في مثل هذا كثيرا" قال: "وبالجملة فلست منها على ثقة ولا ثلج؛ لأن المعروف إنما هو أعله الله فهو معل، اللهم إلا أن يكون على ما ذهب إليه سيبويه من قولهم: مجنون ومسلول من أنهما جاءا على جننته وسللته، وإن لم يستعملا في الكلام استغني عنهما بأفعلت.
قالوا: "فإذا قالوا: جن وسل فإنما [ ص: 505 ] يقولون: جعل فيه الجنون والسل، كما قالوا: حرق وفسل" انتهى كلامه.
وأنكره أيضا الحريري في "درة الغواص".
قلت: والأحسن أن يقال فيه: معل بلام واحدة لا معلل؛ فإن الذي بلامين يستعمله أهل اللغة بمعنى ألهاه بالشيء وشغله به، من تعليل الصبي بالطعام، وأما بلام واحدة فهو الأكثر في كلام أهل اللغة، وفي عبارة أهل الحديث أيضا؛ لأن أكثر عبارات أهل الحديث في الفعل أن يقولوا: أعله فلان بكذا، وقياسه معل، وتقدم قول صاحب المحكم أن المعروف إنما هو: أعله الله فهو معل، وقال الجوهري: لا أعلك الله، أي لا أصابك بعلة. انتهى.
والتعبير بالمعلول موجود في كلام كثير من أهل الحديث، في كلام nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي في جامعه، وفي كلام nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني، nindex.php?page=showalam&ids=13357وأبي أحمد بن عدي، nindex.php?page=showalam&ids=14070وأبي عبد الله الحاكم، وأبي يعلى الخليلي، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في التاريخ، وفي علوم الحديث أيضا عن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في قصة nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم مع nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري، وسؤاله عن حديث nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة، عن nindex.php?page=showalam&ids=16068سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، [ ص: 506 ] عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا: "من جلس مجلسا فكثر فيه لغطه" الحديث، فقال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري: "هذا حديث مليح، ولا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث الواحد، إلا أنه معلول، ثنا به nindex.php?page=showalam&ids=17173موسى بن إسماعيل، ثنا وهيب، ثنا سهيل، عن nindex.php?page=showalam&ids=16735عون بن عبد الله" قوله، قال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري: "هذا أولى؛ فإنه لا نذكر nindex.php?page=showalam&ids=17177لموسى بن [ ص: 507 ] عقبة سماعا من سهيل" فقام إليه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وقبل يده.
قلت: هكذا أعل nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في علومه هذا الحديث بهذه الحكاية، [ ص: 508 ] والغالب على الظن عدم صحتها، وأنا أتهم بها أحمد بن حمدون القصار راويها عن nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم؛ فقد تكلم فيه.
[ ص: 509 ] وهذا الحديث قد صححه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم، ويبعد أن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري يقول: إنه لا يعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث، مع أنه قد ورد من حديث جماعة من الصحابة غيرnindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة، وهم: nindex.php?page=showalam&ids=88أبو برزة الأسلمي، nindex.php?page=showalam&ids=46ورافع بن خديج، nindex.php?page=showalam&ids=67وجبير بن مطعم، nindex.php?page=showalam&ids=15والزبير بن العوام، nindex.php?page=showalam&ids=10وعبد الله بن مسعود، nindex.php?page=showalam&ids=13وعبد الله بن عمرو، nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس بن مالك، nindex.php?page=showalam&ids=256والسائب بن يزيد، nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة.
وقد بينت هذه الطرق كلها في تخريج أحاديث الإحياء nindex.php?page=showalam&ids=14847للغزالي. والله أعلم.