ولقد أكثر الذي جمع في هذا العصر (الموضوعات) في نحو مجلدين، فأودع فيها كثيرا مما لا دليل على وضعه، إنما حقه أن يذكر في مطلق الأحاديث الضعيفة.
والواضعون للحديث أصناف، وأعظمهم ضررا قوم من المنسوبين إلى الزهد، وضعوا الحديث احتسابا فيما زعموا، فتقبل الناس موضوعاتهم ثقة منهم بهم وركونا إليهم، ثم نهضت جهابذة الحديث بكشف عوارها ومحو عارها، والحمد لله.
وفيما روينا عن الإمام أبي بكر السمعاني: أن بعض الكرامية ذهب إلى جواز وضع الحديث في باب الترغيب والترهيب.
ثم إن الواضع ربما صنع كلاما من عند نفسه فرواه، وربما أخذ كلاما لبعض الحكماء أو غيرهم فوضعه على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد استشكل الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد الحكم على الحديث بالوضع بإقرار من ادعى أنه وضعه؛ لأن فيه عملا بقوله بعد اعترافه على نفسه بالوضع، فقال في الاقتراح: "هذا كاف في رده لكن ليس بقاطع في كونه موضوعا؛ لجواز أن يكذب في هذا الإقرار بعينه" انتهى.
[ ص: 541 ] وقول الشيخ: (أو ما يتنزل منزلة إقراره) هو كأن يحدث بحديث عن شيخ، ثم يسأل عن مولده، فيذكر تاريخا يعلم وفاة ذلك الشيخ قبله، ولا يوجد ذلك الحديث إلا عنده، فهذا لم يعترف بوضعه ولكن اعترافه بوقت مولده يتنزل منزلة إقراره بالوضع؛ لأن ذلك الحديث لا يعرف إلا عند ذلك الشيخ، ولا يعرف إلا برواية هذا الذي حدث به. والله أعلم.