تارة تثبت بتنصيص المعدلين على عدالته، وتارة تثبت بالاستفاضة، فمن اشتهرت عدالته بين أهل النقل أو نحوهم من أهل العلم، وشاع الثناء عليه بالثقة والأمانة، استغني فيه بذلك عن بينة شاهدة بعدالته تنصيصا، وهذا هو الصحيح في مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه، وعليه الاعتماد في فن أصول الفقه.
وممن ذكر ذلك من أهل الحديث nindex.php?page=showalam&ids=14231أبو بكر الخطيب الحافظ، ومثل ذلك بمالك، nindex.php?page=showalam&ids=16102وشعبة، والسفيانين، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي، nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث، nindex.php?page=showalam&ids=16418وابن المبارك، nindex.php?page=showalam&ids=17277ووكيع، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل، nindex.php?page=showalam&ids=17336ويحيى بن معين، nindex.php?page=showalam&ids=16604وعلي ابن المديني، ومن جرى مجراهم في نباهة الذكر واستقامة الأمر، فلا يسأل عن عدالة هؤلاء وأمثالهم، وإنما يسأل عن عدالة من خفي أمره على الطالبين.
وتوسع nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر الحافظ في هذا فقال: (كل حامل علم معروف العناية به فهو عدل، محمول في أمره أبدا على العدالة حتى يتبين جرحه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله") وفيما قاله اتساع غير مرضي. والله أعلم.
فقوله: (يحمل) حكي فيه الرفع على الخبر والجزم على إرادة لام الأمر [ ص: 554 ] وعلى تقدير كونه مرفوعا فهو خبر أريد به الأمر، بدليل ما رواه أبو محمد بن أبي حاتم في مقدمة كتاب (الجرح والتعديل) في بعض طرق هذا الحديث: "ليحمل هذا العلم" بلام الأمر.
على أنه ولو لم يرد ما يخلصه للأمر لما جاز حمله على الخبر؛ لوجود جماعة من أهل العلم غير ثقات، ولا يجوز الخلف في خبر الصادق، فيتعين حمله على الأمر، على تقدير صحته، وهذا مما يوهن استدلال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر به؛ لأنه إذا كان المراد الأمر فلا حجة فيه.
ومع هذا فالحديث أيضا غير صحيح؛ لأن أشهر طرق الحديث رواية معان بن رفاعة السلامي، عن إبراهيم بن عبد الرحمن، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهكذا رواه nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم في مقدمة (الجرح والتعديل) وابن عدي في مقدمة (الكامل) والعقيلي في (تاريخ الضعفاء) في ترجمة معان بن رفاعة، وقال: "إنه لا يعرف إلا به" انتهى.
[ ص: 555 ] وهذا إما مرسل أو معضل، وإبراهيم هذا الذي أرسله لا يعرف في شيء من العلم غير هذا، قاله nindex.php?page=showalam&ids=12858أبو الحسن بن القطان في (بيان الوهم والإيهام).
قال nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي: "ورواه الثقات عن nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم، عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري، قال: ثنا الثقة من أصحابنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك" انتهى.
ومعان أيضا ضعفه nindex.php?page=showalam&ids=17336ابن معين nindex.php?page=showalam&ids=11970وأبو حاتم الرازي والجوزجاني nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان وابن عدي. نعم، وثقه nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني، وكذلك حكي عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد توثيقه، والحكم بصحة الحديث فيما ذكره الخلال في (العلل) أن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد سئل عن هذا الحديث فقيل له: كأنه كلام موضوع؟ فقال: "لا، هو صحيح" فقيل له: ممن سمعته؟ قال: من غير واحد، قيل له: من هم؟ قال حدثني به مسكين، إلا أنه يقول عن معان، عن القاسم بن عبد الرحمن، قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد: ومعان لا بأس به. قال ابن القطان: "وخفي على nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد من أمره ما علمه غيره" ثم ذكر أقوال المضعفين له.
وقد روي هذا الحديث متصلا من رواية جماعة من الصحابة: nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب، nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر، nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة، nindex.php?page=showalam&ids=13وعبد الله بن عمرو، nindex.php?page=showalam&ids=98وجابر بن سمرة، [ ص: 556 ] وأبي أمامة، وكلها ضعيفة، لا يثبت منها شيء، وليس فيها شيء يقوي المرسل المذكور. والله أعلم.
وممن تبع nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر على اختيار ذلك من المتأخرين أبو عبد الله أبو بكر بن المواق فقال في كتابه (بغية النقاد): "أهل العلم محمولون على العدالة حتى يظهر منهم خلاف ذلك".
ومما يستغرب في ضبط هذا الحديث أن nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح حكى في (فوائد الرحلة) له أنه وجد بنيسابور في كتاب يشتمل على مناقب ابن كرام، جمع محمد بن الهيصم قال فيه: "سمعت الشيخ أبا جعفر محمد بن أحمد بن جعفر يقول: سمعت أبا عمرو محمد بن أحمد التميمي يروي هذا الحديث بإسناده، فيضم الياء من قوله (يحمل) على أنه فعل لم يسم فاعله، ويرفع الميم من العلم، ويقول: "من كل خلف عدولة" مفتوح العين واللام وبالتاء، ومعناه أن الخلف هو العدولة، بمعنى أنه عادل، كما يقال: شكور بمعنى شاكر، ويكون الهاء للمبالغة، كما يقال: رجل صرورة، والمعنى أن العلم يحمل عن كل خلف كامل في عدالته.
وأما أبو بكر المفيد فإنى قد حفظت عنه: (يحمل) مفتوح الياء (من كل خلف عدوله) مضموم العين واللام مرفوعا، هكذا نقلته من خط nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح في رحلته.