وهو ينقسم إلى إملاء، وتحديث من غير إملاء، وسواء كان من حفظه أو من كتابه، وهذا القسم أرفع الأقسام عند الجماهير.
وفيما نرويه عن nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض بن موسى السبتي - أحد المتأخرين المطلعين - قوله: لا خلاف أنه يجوز في هذا أن يقول السامع منه: "حدثنا" و"أخبرنا" و"أنبأنا" و"سمعت فلانا يقول"، و"قال لنا فلان"، و"ذكر لنا فلان".
قلت: في هذا نظر، وينبغي فيما شاع استعماله من هذه الألفاظ مخصوصا بما سمع من غير لفظ الشيخ - على ما نبينه إن شاء الله تعالى - أن لا يطلق فيما سمع من لفظ الشيخ لما فيه من الإيهام والإلباس. والله أعلم.
وذكر الحافظ nindex.php?page=showalam&ids=14231أبو بكر الخطيب أن أرفع العبارات في ذلك "سمعت" ثم "حدثنا وحدثني" فإنه لا يكاد أحد يقول: "سمعت" في أحاديث الإجازة والمكاتبة، ولا في تدليس ما لم يسمعه.
وكان بعض أهل العلم يقول فيما أجيز له "حدثنا" وروي عن الحسن أنه كان يقول: "حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة" ويتأول أنه حدث أهل المدينة، وكان الحسن إذ ذاك بها إلا أنه لم يسمع منه شيئا.
قلت: ومنهم من أثبت له سماعا من nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة. والله أعلم.
ثم يتلو ذلك قول: "أخبرنا" وهو كثير في الاستعمال، حتى أن جماعة من أهل العلم كانوا لا يكادون يخبرون عما سمعوه من لفظ من حدثهم إلا بقولهم: "أخبرنا" منهم nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة، nindex.php?page=showalam&ids=16418وعبد الله بن المبارك، nindex.php?page=showalam&ids=17249وهشيم بن بشير، وعبيد الله بن موسى، nindex.php?page=showalam&ids=16360وعبد الرزاق بن همام، nindex.php?page=showalam&ids=17376ويزيد بن هارون، وعمرو بن عون، ويحيى بن يحيى التميمي، nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه، وأبو مسعود أحمد بن الفرات، ومحمد بن أيوب الرازيان، وغيرهم.
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب عن محمد بن رافع قال: "كان nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق يقول: "أخبرنا" حتى قدم nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل، nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه، فقالا له: قل: حدثنا" فكل ما سمعت مع هؤلاء قال: "حدثنا" وما كان قبل ذلك قال: "أخبرنا ".
وعن محمد بن أبي الفوارس الحافظ قال : هشيم، nindex.php?page=showalam&ids=17376ويزيد بن هارون، nindex.php?page=showalam&ids=16360وعبد الرزاق، لا يقولون إلا " أخبرنا" فإذا رأيت " حدثنا" فهو من خطأ الكاتب، والله أعلم .
قلت : وكان هذا كله قبل أن يشيع تخصيص " أخبرنا" بما قرئ على الشيخ، ثم يتلو قول " أخبرنا" قول " أنبأنا" و" نبأنا" وهو قليل في الاستعمال .
قلت : " حدثنا، وأخبرنا" أرفع من " سمعت" من جهة أخرى، وهي أنه ليس في " سمعت" دلالة على أن الشيخ رواه الحديث وخاطبه به، وفي " حدثنا، وأخبرنا" دلالة على أنه خاطبه به ورواه له، أو هو ممن فعل به ذلك .
سأل nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب أبو بكر الحافظ شيخه nindex.php?page=showalam&ids=13855أبا بكر البرقاني الفقيه الحافظ - رحمهما الله تعالى - عن السر في كونه يقول فيما رواه لهم عن أبي القاسم عبد الله بن إبراهيم الجرجاني الآبندوني: " سمعت" ولا يقول " حدثنا ولا أخبرنا"؟ فذكر له أن أبا القاسم كان مع ثقته وصلاحه عسرا في الرواية، فكان nindex.php?page=showalam&ids=13855البرقاني يجلس بحيث لا يراه أبو القاسم، ولا يعلم بحضوره، فيسمع منه ما يحدث به الشخص الداخل إليه ، فلذلك يقول: " سمعت" ولا يقول: " حدثنا ولا أخبرنا" لأن قصده كان الرواية للداخل إليه وحده .
وأما قوله: " قال لنا فلان، أو ذكر لنا فلان" فهو من قبيل قوله: " حدثنا فلان" غير أنه لائق بما سمعه منه في المذاكرة، وهو به أشبه من " حدثنا".
وقد حكينا في فصل التعليق - عقيب النوع الحادي عشر - عن كثير من المحدثين استعمال ذلك معبرين به عما جرى بينهم في المذاكرات والمناظرات .
وأوضع العبارات في ذلك أن يقول: " قال فلان، أو : ذكر فلان" من غير ذكر قوله " لي، ولنا" ونحو ذلك .
وقد قدمنا في فصل الإسناد المعنعن أن ذلك وما أشبهه من الألفاظ محمول عندهم على السماع، إذا عرف لقاؤه له وسماعه منه على الجملة، لا سيما إذا عرف من حاله أنه لا يقول: " قال فلان" إلا فيما سمعه منه .
وقد كان nindex.php?page=showalam&ids=15697حجاج بن محمد الأعور يروي عن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج كتبه، ويقول فيها: " قال nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج" فحملها الناس عنه، واحتجوا برواياته، وكان قد عرف من حاله أنه لا يروي إلا ما سمعه .
وقد خصص nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب أبو بكر الحافظ القول بحمل ذلك على السماع بمن عرف من عادته مثل ذلك، والمحفوظ المعروف ما قدمنا ذكره . والله أعلم .
القسم الثاني من أقسام الأخذ والتحمل : القراءة على الشيخ.
وأكثر المحدثين يسمونها ( عرضا) من حيث إن القارئ يعرض على الشيخ ما يقرؤه كما يعرض القرآن على المقرئ .
وسواء كنت أنت القارئ، أو قرأ غيرك وأنت تسمع، أو قرأت من كتاب، أو من حفظك، أو كان الشيخ يحفظ ما يقرأ عليه، أو لا يحفظه لكن يمسك أصله هو أو ثقة غيره . ولا خلاف أنها رواية صحيحة، إلا ما حكي عن بعض من لا يعتد بخلافه. والله أعلم .
واختلفوا في أنها مثل السماع من لفظ الشيخ في المرتبة، أو دونه، أو فوقه؟
فنقل عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة، nindex.php?page=showalam&ids=12493وابن أبي ذئب، وغيرهما ترجيح القراءة على الشيخ على السماع من لفظه ، وروي ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أيضا .
وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وغيره : أنهما سواء ، وقد قيل : إن التسوية بينهما مذهب معظم علماء الحجاز والكوفة، ومذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وأصحابه، وأشياخه من علماء المدينة، ومذهب nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري، وغيرهم .
والصحيح : ترجيح السماع من لفظ الشيخ، والحكم بأن القراءة عليه مرتبة ثانية . وقد قيل : إن هذا مذهب جمهور أهل المشرق. والله أعلم .
وأما العبارة عنها عند الرواية بها فهي على مراتب : أجودها وأسلمها أن يقول: ( قرأت على فلان، أو قرئ على فلان وأنا أسمع فأقر به ) فهذا سائغ من غير إشكال.
ويتلو ذلك ما يجوز من العبارات في السماع من لفظ الشيخ مطلقة، إذا أتى بها هاهنا مقيدة، بأن يقول: ( حدثنا فلان قراءة عليه، أو : أخبرنا قراءة عليه) ونحو ذلك.
وكذلك ( أنشدنا قراءة عليه ) في الشعر .
وأما إطلاق ( حدثنا، وأخبرنا) في القراءة على الشيخ، فقد اختلفوا فيه على مذاهب :
فمن أهل الحديث من منع منهما جميعا، وقيل: إنه قول nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك، ويحيى بن يحيى التميمي، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل، nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي، وغيرهم .
ومنهم من ذهب إلى تجويز ذلك، وأنه كالسماع من لفظ الشيخ في جواز إطلاق ( حدثنا، وأخبرنا، وأنبأنا). وقد قيل : إن هذا مذهب معظم الحجازيين، والكوفيين، وقول nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري، nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك، nindex.php?page=showalam&ids=16008وسفيان بن عيينة، nindex.php?page=showalam&ids=17293ويحيى بن سعيد القطان، في آخرين من الأئمة المتقدمين، وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري صاحب الصحيح في جماعة من المحدثين .
ومن هؤلاء من أجاز فيها أيضا أن يقول: ( سمعت فلانا).
والمذهب الثالث : الفرق بينهما في ذلك، والمنع من إطلاق ( حدثنا) وتجويز إطلاق ( أخبرنا) وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي، وأصحابه، وهو منقول عن nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم صاحب الصحيح، وجمهور أهل المشرق .
وذكر صاحب (كتاب الإنصاف) محمد بن الحسن التميمي الجوهري المصري : أن هذا مذهب الأكثر من أصحاب الحديث الذين لا يحصيهم أحد، وأنهم جعلوا ( أخبرنا) علما يقوم مقام قول قائله : "أنا قرأته عليه، لا أنه لفظ به لي". قال: " وممن كان يقول به من أهل زماننا nindex.php?page=showalam&ids=15397أبو عبد الرحمن النسائي ، في جماعة مثله من محدثينا ".
قلت : وقد قيل : إن أول من أحدث الفرق بين هذين اللفظين ابن وهب بمصر .
وهذا يدفعه أن ذلك مروي عن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي، حكاه عنهما nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب أبو بكر ، إلا أن يعني أنه أول من فعل ذلك بمصر. والله أعلم .
قلت : الفرق بينهما صار هو الشائع الغالب على أهل الحديث، والاحتجاج لذلك من حيث اللغة عناء وتكلف ، وخير ما يقال فيه : إنه اصطلاح منهم أرادوا به التمييز بين النوعين، ثم خصص النوع الأول بقول " حدثنا" لقوة إشعاره بالنطق والمشافهة. والله أعلم .
ومن أحسن ما يحكى عمن يذهب هذا المذهب ما حكاه الحافظ nindex.php?page=showalam&ids=13855أبو بكر البرقاني ، عن أبي حاتم محمد بن يعقوب الهروي ، أحد رؤساء أهل الحديث بخراسان: أنه قرأ على بعض الشيوخ عن nindex.php?page=showalam&ids=14898الفربري صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وكان يقول له في كل حديث: " حدثكم nindex.php?page=showalam&ids=14898الفربري" فلما فرغ من الكتاب سمع الشيخ يذكر : أنه إنما سمع الكتاب من nindex.php?page=showalam&ids=14898الفربري قراءة عليه، فأعاد nindex.php?page=showalam&ids=11970أبو حاتم قراءة الكتاب كله، وقال له في جميعه: "أخبركم nindex.php?page=showalam&ids=14898الفربري" والله أعلم .
تفريعات :
الأول : إذا كان أصل الشيخ عند القراءة عليه بيد غيره، وهو موثوق به مراع لما يقرأ، أهل لذلك ، فإن كان الشيخ يحفظ ما يقرأ عليه فهو كما لو كان أصله بيد نفسه، بل أولى لتعاضد ذهني شخصين عليه . وإن كان الشيخ لا يحفظ ما يقرأ عليه، فهذا مما اختلفوا فيه ، فرأى بعض أئمة الأصول أن هذا سماع غير صحيح . والمختار أن ذلك صحيح، وبه عمل معظم الشيوخ، وأهل الحديث .
وإذا كان الأصل بيد القارئ، وهو موثوق به دينا ومعرفة، فكذلك الحكم فيه، وأولى بالتصحيح .
وأما إذا كان أصله بيد من لا يوثق بإمساكه له، ولا يؤمن إهماله لما يقرأ، فسواء كان بيد القارئ أو بيد غيره في أنه سماع غير معتد به، إذا كان الشيخ غير حافظ للمقروء عليه. والله أعلم .
الثاني : إذا قرأ القارئ على الشيخ قائلا: " أخبرك فلان، أو قلت: أخبرنا فلان" أو نحو ذلك، والشيخ ساكت، مصغ إليه، فاهم لذلك، غير منكر له، فهذا كاف في ذلك .
واشترط بعض الظاهرية وغيرهم إقرار الشيخ نطقا، وبه قطع الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11815أبو إسحاق الشيرازي ، وأبو الفتح سليم الرازي ، وأبو نصر بن الصباغ من الفقهاء الشافعيين . قال أبو نصر : ليس له أن يقول: " حدثني " أو " أخبرني" وله أن يعمل بما قرئ عليه، وإذا أراد روايته عنه قال: " قرأت عليه، أو : قرئ عليه وهو يسمع" .
وفي حكاية بعض المصنفين للخلاف في ذلك أن بعض الظاهرية شرط إقرار الشيخ عند تمام السماع : بأن يقول القارئ للشيخ: "هو كما قرأته عليك؟" فيقول : "نعم".
والصحيح أن ذلك غير لازم، وأن سكوت الشيخ على الوجه المذكور نازل منزلة تصريحه بتصديق القارئ؛ اكتفاء بالقرائن الظاهرة ، وهذا مذهب الجماهير من المحدثين، والفقهاء، وغيرهم. والله أعلم
[ ص: 619 ] [ ص: 620 ] [ ص: 621 ] [ ص: 622 ] [ ص: 623 ] [ ص: 624 ] [ ص: 625 ] [ ص: 626 ] 103 - قوله: (إذا كان أصل الشيخ عند القراءة عليه بيد غيره) إلى أن قال: (وإن كان الشيخ لا يحفظ ما يقرأ عليه فهذا مما اختلفوا فيه، فرأى بعض أئمة الأصول أن هذا سماع غير صحيح، والمختار أن ذلك صحيح) انتهى.
هذا الذي أبهم المصنف ذكره هو nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين؛ فإنه اختار ذلك. وحكى nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض أيضا أن nindex.php?page=showalam&ids=12604القاضي أبا بكر الباقلاني تردد فيه، قال: "وأكثر ميله إلى المنع" انتهى.
فقال السلفي: "هما سيان، على هذا عهدنا علماءنا عن آخرهم" قال: "ولم تزل الحفاظ قديما وحديثا يخرجون للشيوخ من الأصول، فتصير تلك الفروع - بعد المقابلة - أصولا، وهل كانت الأصول أولا إلا فروعا؟" انتهى.