76 - قوله: ب (ص) : "فيه وادعى
nindex.php?page=showalam&ids=12111أبو عمرو الداني إجماع أهل النقل على قبوله".
قلت: إنما أخذه
nindex.php?page=showalam&ids=12111الداني من كلام
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم ، ولا شك أن نقله عنه أولى لأنه من أئمة الحديث، وقد صنف في علومه
nindex.php?page=showalam&ids=12795وابن الصلاح كثير النقل من كتابه، فالعجب كيف نزل عنه إلى النقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=12111الداني .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم :
"الأحاديث المعنعنة التي ليس فيها تدليس متصلة بإجماع أئمة النقل" .
وأعجب من ذلك أن
nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب قاله في الكفاية التي هي معول المصنف في هذا المختصر، فقال:
أهل العلم مجمعون على أن قول المحدث: حدثنا فلان عن فلان صحيح معمول به إذا كان شيخه الذي ذكره يعرف أنه قد أدرك الذي حدث عنه ولقيه وسمع منه، ولم يكن هذا المحدث مدلسا.
[ ص: 584 ] (ولا يعلم أنه يستجيز) إذا حدثه شيخه عن بعض من أدركه حديثا نازلا فسمي بينهما في الإسناد من حدثه به - أن يسقط شيخ شيخه ويروي الحديث عاليا بعد أن يسقط الواسطة.
قلت: ومراد
nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب بهذا الاحتراز أن لا يكون المعنعن مدلسا ولا مسويا ، لكن في نقل الإجماع بعد هذا كله نظر، فقد ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=15166الحارث المحاسبي - وهو من أئمة الحديث والكلام - في كتاب له سماه "فهم السنن" ما ملخصه: أن أهل العلم اختلفوا فيما يثبت به الحديث على ثلاثة أقوال:
1- الأول: أنه لا بد أن يقول كل عدل في الإسناد: حدثني أو سمعت إلى أن ينتهي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإذا لم يقولوا كلهم ذلك أو لم يقله بعضهم، فلا يثبت لأنهم عرف من عادتهم الرواية بالعنعنة فيما لم يسمعوه.
2- الثاني: التفرقة بين المدلس وغيره، فمن عرف لقيه وعدم تدليسه قبل وإلا فلا.
3- الثالث: من عرف لقيه وكان يدلس لكن لا يدلس إلا عن ثقة قبل وإلا فلا.
ففي حكاية القول الأول خدش في دعوى الإجماع السابق إلا أن يقال إن
[ ص: 585 ] الإجماع راجع إلى ما استقر عليه الأمر بعد انقراض الخلاف السابق فيخرج على المسألة الأصولية في قبول الوفاق بعد الخلاف.
ومع ذلك فقد قال القاضي
nindex.php?page=showalam&ids=12605أبو بكر ابن الباقلاني : "إذا قال الصحابي - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا أو عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال كذا أو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال كذا، لم يكن ذلك صريحا في أنه سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - هو محتمل لأن يكون قد سمعه منه أو من غيره عنه.
فقد حدث جماعة من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأحاديث، ثم ظهر أنهم سمعوها من بعض الصحابة - رضي الله عنهم-.
قلت: وهذا بعينه هو البحث في
مرسل الصحابي - رضي الله تعالى عنهم - وقد قدمت ما فيه ، وأن الجمهور على جعله حجة.
وإنما الكلام هنا في أن العنعنة ولو كانت من غير المدلس هل تقتضي السماع أم لا فكلام القاضي يؤيد ما نقله
nindex.php?page=showalam&ids=15166الحارث المحاسبي عن أهل القول الأول - والله أعلم - .
تنبيه:
حاصل كلام المصنف أن للفظ (عن) ثلاثة أحوال:
أحدها: أنها بمنزلة حدثنا وأخبرنا بالشرط السابق.
[ ص: 586 ] 2- الثاني: إنها ليست بتلك المنزلة إذا صدرت عن مدلس وهاتان (الحالتان) مختصتان بالمتقدمين.
وأما المتأخرون وهم من بعد الخمسمائة وهلم جرا فاصطلحوا عليها للإجازة، فهي بمنزلة أخبرنا، لكنه إخبار جملي كما سيأتي تقريره في الكلام على الإجازة وهذه هي الحالة الثالثة.
ولأجل هذا قال المصنف : لا يخرجها ذلك (من) قبيل الاتصال إلا أن الفرق بينهما وبين الحالة الأولى مبني على الفرق فيما بين السماع والإجازة، لكون السماع أرجح - والله أعلم .
وإذا تقرر هذا فقد فات المصنف حالة أخرى لهذه اللفظة وهي خفية جدا قل من نبه عليها، بل لم ينبه عليها أحد من المصنفين في علوم الحديث مع شدة الحاجة إليها وهي أنها ترد ولا يتعلق بها حكم باتصال ولا انقطاع بل يكون المراد بها سياق قصة سواء أدركها الناقل أو لم يدركها ويكون هناك شيء محذوف مقدر ومثال ذلك:
ما أخرجه
ابن أبي خيثمة في "تأريخه" عن أبيه قال: ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11948أبو بكر بن [ ص: 587 ] عياش . ثنا
أبو إسحاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=11820أبي الأحوص أنه خرج عليه خوارج فقتلوه.
فهذا لم يرد
أبو إسحاق بقوله عن
nindex.php?page=showalam&ids=11820أبي الأحوص أنه أخبره به وإنما فيه شيء محذوف تقديره عن قصة
nindex.php?page=showalam&ids=11820أبي الأحوص أو عن شأن
nindex.php?page=showalam&ids=11820أبي الأحوص أو ما أشبه ذلك، لأنه لا يمكن أن يكون
أبو الأحوص حدثه بعد قتله.
ونظير ذلك: ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13563ابن منده في المعرفة في ترجمة
معاوية بن معاوية الليثي قال: أنا
محمد بن يعقوب : ثنا
ابن أبي داود ثنا
يونس بن محمد ثنا
صدقة بن أبي سهل ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17419يونس بن عبيد عن
الحسن عن
معاوية بن معاوية - رضي الله تعالى عنه - قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=933676 "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان غازيا بتبوك، فأتاه [ ص: 588 ] جبريل عليه الصلاة والسلام، فقال: يا محمد " هل لك في جنازة معاوية بن معاوية قال - صلى الله عليه وسلم - : نعم. فقال جبريل عليه السلام: هكذا بيده، ففرج له عن الجبال والآكام فذكر الحديث.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13563ابن منده : هكذا قال
يونس بن محمد عن
معاوية والصواب مرسل.
قلت: ووجه الإشكال فيه أن
معاوية - رضي الله تعالى عنه - مات في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - (كما ترى)، فكيف يتهيأ
للحسن أن يسمع منه قصة موته، ويحدث بها عنه.
وما المراد إلا ما ذكرت أنه لم يقصد بقوله: "عن
معاوية " الرواية وإنما يحمل على محذوف تقديره عن قصة
معاوية بن معاوية - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى آخره. فيظهر حينئذ الإرسال.
ونظير ذلك: ما ذكره
موسى بن هارون الحمال ونقله عنه
nindex.php?page=showalam&ids=13332أبو عمر ابن عبد البر في كتاب التمهيد فقال: روى
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك عن
nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد الأنصاري عن
محمد بن إبراهيم التيمي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16745عيسى بن طلحة عن
عمير بن سلمة عن
البهزي قال:
[ ص: 589 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=707895 "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج يريد مكة وهو محرم حتى إذا كان بالروحاء إذا حمار وحشي عقير، فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : دعوه، فإنه يوشك أن يأتي صاحبه فجاء البهزي وهو صاحبه، فقال: شأنكم به" .. الحديث.
هكذا رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وتابعه غيره .
وظاهر هذا يعطي أن
عمير بن سلمة رواه عن
البهزي وليس كذلك بل
عمير بن سلمة حضر القصة وشاهدها كلها، فقد رواه
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد عن
nindex.php?page=showalam&ids=17365يزيد بن الهاد عن
محمد بن إبراهيم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16745عيسى بن طلحة عن
عمير بن سلمة قال: بينما نحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر هذا الحديث.
وكذا رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16506عبد ربه بن سعيد عن
محمد بن إبراهيم .
وكذا رواه
nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد وغير واحد عن
يحيى بن سعيد شيخ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك .
[ ص: 590 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=17182موسى بن هارون : "والظاهر أن قوله: عن
البهزي من زيادة
يحيى بن سعيد كان أحيانا يقولها، وأحيانا لا يقولها، وكان هذا جائزا عند المشيخة الأولى أن يقولوا: عن فلان، ولا يريدون بذلك الرواية وإنما معناه عن قصة فلان". انتهى كلام
nindex.php?page=showalam&ids=17182موسى بن هارون ملخصا .
وهو صريح فيما قصدناه.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر - في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=15527بسر بن سعيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري عن
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري - رضي الله تعالى عنه - في قصة الاستئذان ثلاثا: "ليس المقصود من هذا رواية
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - لهذا الحديث عن
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى لأن
أبا سعيد سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - وشهد بذلك
لأبي موسى عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر - رضي الله تعالى عنه - وإنما وقع هذا على سبيل التحرز، والمراد عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد ، عن قصة
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى - رضي الله تعالى عنهما .
قلت: وأمثلة هذا كثيرة ومن تتبعها وجد سبيلا إلى التعقب على أصحاب المسانيد، ومصنفي الأطراف، في عدة مواضع يتعين الحمل فيها على ما وصفنا من المراد بهذه العنعنة - والله أعلم - .