23 - قوله: (ع): في الجواب من اعتراض
أبي الفتح اليعمري ؛ إذ زعم أن
شرط nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود كشرط nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم إلا في الأحاديث التي بين nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود ضعفها - بأن
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلما شرط الصحيح - فليس لنا أن نحكم على حديث في كتابه بأنه حسن،
nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود إنما قال:
ما سكت عنه فهو صالح. والصالح يجوز أن يكون صحيحا وأن يكون حسنا فالاحتياط أن يحكم عليه بالحسن.
[ ص: 433 ] أقول: أجاب
الحافظ صلاح الدين العلائي عن كلام
أبي الفتح اليعمري بجواب أمتن من هذا فقال ما نصه:
"هذا الذي قاله ضعيف، وقول
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح أقوى؛ لأن درجات الصحيح إذا تفاوتت (فلا نعني بالحسن إلا) الدرجة الدنيا منها".
والدرجة الدنيا منها لم يخرج
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم منها شيئا في الأصول وإنما يخرجها في المتابعات والشواهد.
[
الرواة عند nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ثلاثة أقسام :]
قلت: وهو تعقب صحيح وهو مبني على أمر اختلف نظر الأئمة فيه؛ وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ما معناه أن الرواة ثلاثة أقسام:
الأول:
nindex.php?page=showalam&ids=16867كمالك nindex.php?page=showalam&ids=16102وشعبة وأنظارهما.
الثاني: مثل
nindex.php?page=showalam&ids=16571عطاء بن السائب nindex.php?page=showalam&ids=17347ويزيد بن أبي زياد وأمثالهما.
وكل من القسمين مقبول، (لما يشمل الكل) من اسم الصدق.
والطبقة الثالثة: أحاديث المتروكين.
فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض وتبعه
النووي وغيره: إن
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلما أخرج أحاديث القسمين الأولين ولم يخرج شيئا من أحاديث القسم الثالث.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي وغيرهما:
لم يخرج nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم إلا أحاديث القسم الأول فقط فلما حدث به اخترمته المنية قبل إخراج القسمين الآخرين .
[ ص: 434 ] ويؤيد هذا ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي بسند صحيح عن
إبراهيم بن محمد بن سفيان صاحب
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم قال: صنف
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ثلاثة كتب أحدها هذا الذي قرأه على الناس (يعني الصحيح) والثاني يدخل فيه
عكرمة وابن إسحاق وأمثالهما والثالث يدخل فيه الضعفاء.
قلت: وإنما اشتبه الأمر على
nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض ومن تبعه بأن الرواية عن أهل القسم الثاني موجودة في صحيحه لكن فرض المسألة هل احتج (بهم كما احتج) بأهل القسم الأول أم لا؟
والحق: أنه لم يخرج شيئا مما انفرد به الواحد منهم وإنما احتج بأهل القسم الأول سواء تفردوا أم لا؟
ويخرج من أحاديث أهل القسم الثاني ما يرفع به التفرد عن أحاديث أهل القسم الأول. وكذلك إذا كان لحديث أهل القسم الثاني طرق كثيرة يعضد بعضها بعضا فإنه قد يخرج ذلك.
وهذا ظاهر بين في كتابه ولو كان يخرج جميع أحاديث أهل القسم الثاني في الأصول بل وفي المتابعات لكان كتابه أضعاف ما هو عليه.
ألا تراه أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16571لعطاء بن السائب في المتابعات وهو من المكثرين، فما له عنده سوى مواضيع يسيرة.
[ ص: 435 ] وكذا
nindex.php?page=showalam&ids=12563محمد بن إسحاق وهو من بحور الحديث وليس له عنده في المتابعات إلا ستة أو سبعة.
ولم يخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16861لليث بن أبي سليم ولا
nindex.php?page=showalam&ids=17347ليزيد بن أبي زياد ولا
nindex.php?page=showalam&ids=16878لمجالد بن سعيد إلا مقرونا.
وهذا بخلاف
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود ، فإنه يخرج أحاديث هؤلاء في الأصول محتجا بها، ولأجل ذا تخلف كتابه عن شرط الصحة وفي قول
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود :
وما كان فيه وهن شديد بينته (ما يفهم أن الذي يكون فيه وهن غير شديد) أنه لا يبينه.
ومن هنا يتبين أن جميع
ما سكت عليه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود لا يكون من قبيل الحسن الاصطلاحي. بل هو على أقسام:
1 - منه ما هو في الصحيحين أو على شرط الصحة.
2 - ومنه ما هو من قبيل الحسن لذاته.
3 - ومنه ما هو من قبيل الحسن إذا اعتضد.
وهذان القسمان كثير في كتابه جدا.
4 - ومنه ما هو ضعيف، لكنه من رواية من لم يجمع على تركه غالبا. وكل هذه الأقسام عنده تصلح للاحتجاج بها.
[ ص: 436 ] كما نقل
nindex.php?page=showalam&ids=13563ابن منده عنه أنه يخرج الحديث الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره وأنه أقوى من رأي الرجال.
وكذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : كل ما سكت عليه
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود فهو صحيح عنده لاسيما إن كان لم يذكر في الباب غيره. ونحو هذا ما روينا عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد بن حنبل فيما نقله
ابن المنذر عنه أنه كان يحتج
nindex.php?page=showalam&ids=16709بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا لم يكن في الباب غيره.
[ ص: 437 ] وأصرح من هذا ما رويناه عنه فيما حكاه
أبو العز بن كادش أنه قال - لابنه - :لو أردت أن أقتصر على ما صح عندي لم أرو من هذا المسند إلا الشيء بعد الشيء، لكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث أني لا أخالف ما يضعف إلا إذا كان في الباب شيء يدفعه.
ومن هذا ما روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16408عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل بالإسناد الصحيح إليه قال: سمعت أبي يقول: لا تكاد ترى أحدا ينظر في الرأي إلا وفي قلبه دغل والحديث الضعيف أحب إلي من الرأي.
[موقف
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد من الرأي:]
قال: فسألته عن الرجل يكون ببلد لا يجد فيها إلا صاحب حديث لا يدرى صحيحه من سقيمه وصاحب رأي فمن يسأل؟
قال: يسأل صاحب الحديث ولا يسأل صاحب الرأي.
فهذا نحو مما حكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود . ولا عجب، فإنه كان من تلامذة
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد فغير مستنكر أن يقول بقوله.
[ ص: 438 ] بل حكى
النجم الطوفي عن العلامة
تقي الدين ابن تيمية أنه قال: اعتبرت مسند
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، فوجدته موافقا لشرط
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود .
وقد أشار شيخنا في النوع الثالث والعشرين إلى شيء من هذا ومن هنا ضعف طريقة من يحتج بكل ما سكت عليه
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود فإنه يخرج أحاديث جماعة من الضعفاء في الاحتجاج ويسكت عنها مثل:
nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة ،
وصالح مولى التوأمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13371وعبد الله بن محمد بن عقيل ،
[ ص: 439 ] وموسى بن وردان، وسلمة بن الفضل، ودلهم بن صالح وغيرهم.
فلا ينبغي للناقد أن يقلده في السكوت على أحاديثهم ويتابعه في الاحتجاج بهم، بل طريقه أن ينظر هل لذلك الحديث متابع فيعتضد به أو غريب فيتوقف فيه؟
ولا سيما إن كان مخالفا لرواية من هو أوثق منه، فإنه ينحط إلى قبيل المنكر وقد يخرج لمن هو أضعف من هؤلاء بكثير
كالحارث بن وجيه وصدقة الدقيقي وعثمان بن واقد العمري ومحمد بن عبد الرحمن البيلماني
وأبي [ ص: 440 ] جناب الكلبي وسليمان بن أرقم وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة وأمثالهم من المتروكين.
وكذلك ما فيه من الأسانيد المنقطعة وأحاديث المدلسين بالعنعنة والأسانيد التي فيها من أبهمت أسماؤهم، فلا يتجه الحكم لأحاديث هؤلاء بالحسن من أجل سكوت
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود ؛ لأن سكوته تارة يكون اكتفاء بما تقدم له من الكلام في ذلك الراوي في نفس كتابه وتارة يكون لذهول منه.
وتارة يكون لشدة وضوح ضعف ذلك الراوي واتفاق الأئمة على طرح روايته.
كأبي الحويرث ويحيى بن العلاء وغيرهم.
[ ص: 441 ] وتارة يكون من اختلاف الرواة عنه وهو الأكثر.
فإن في رواية
أبي الحسن بن العبد عنه من الكلام على جماعة من الرواة والأسانيد ما ليس في رواية
اللؤلؤي وإن كانت روايته أشهر.
ومن أمثلة ذلك ما رواه من طريق
الحارث بن وجيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=16871مالك بن دينار عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - حديث:
nindex.php?page=hadith&LINKID=677102 "إن تحت كل شعرة جنابة... " الحديث.
فإنه تكلم عليه في بعض الروايات فقال: هذا حديث ضعيف
والحارث حديثه منكر وفي بعضها اقتصر على بعض هذا الكلام.
وفي بعضها لم يتكلم فيه وقد يتكلم على الحديث بالتضعيف البالغ خارج السنن ويسكت عنه فيها.
[ ص: 442 ] ومن أمثلته: ما رواه في السنن من طريق
محمد بن ثابت العبدي عن
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع قال: انطلقت مع
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - في حاجة إلى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - فذكر الحديث في الذي سلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يرد عليه حتى تيمم، ثم رد السلام وقال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=672202 "إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني لم أكن على طهر" .
لم يتكلم عليه في السنن، ولما ذكره في كتاب التفرد قال: لم يتابع أحد
محمد بن ثابت على هذا.
ثم حكى عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل أنه قال: هو حديث منكر.
[ ص: 443 ] [كثرة الانقطاع والإبهام في سنن
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود :]
وأما الأحاديث التي في إسنادها انقطاع أو إبهام ففي الكتاب من ذلك أحاديث كثيرة.
منها: وهو ثالث حديث في كتابه - ما رواه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=11834أبي التياح قال: حدثني شيخ قال: لما قدم
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس البصرة كان يحدث عن
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى - رضي الله تعالى عنه - فذكر حديث:
nindex.php?page=hadith&LINKID=699561 "إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله" .
لم يتكلم عليه في جميع الروايات، وفيه هذا الشيخ المبهم.
إلى غير ذلك من الأحاديث التي يمنع من الاحتجاج بها ما فيها من العلل.
فالصواب عدم الاعتماد على مجرد سكوته لما وصفنا أنه يحتج بالأحاديث الضعيفة، ويقدمها على القياس إن ثبت ذلك عنه.
والمعتمد على مجرد سكوته لا يرى الاحتجاج بذلك فكيف يقلده فيه؟
[ ص: 444 ] وهذا جميعه إن حملنا قوله: "وما لم أقل فيه شيئا فهو صالح". على أن مراده أنه صالح للحجة. وهو الظاهر.
وإن حملناه على ما هو أعم من ذلك - وهو الصلاحية للحجة أو للاستشهاد أو للمتابعة - فلا يلزم منه أنه يحتج بالضعيف.
ويحتاج إلى تأمل تلك المواضع التي يسكت عليها وهي ضعيفة هل فيها إفراد أم لا؟
إن وجد فيها إفراد تعين الحمل على الأول وإلا حمل على الثاني، وعلى كل تقدير فلا يصلح ما سكت عليه للاحتجاج مطلقا .
وقد نبه على ذلك الشيخ
محيي الدين النووي - رحمه الله تعالى - فقال : في سنن
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود أحاديث ظاهرة الضعف لم يبينها مع أنه متفق على ضعفها، فلا بد من تأويل كلامه.
ثم قال: والحق أن ما وجدناه في سننه ما لم يبينه، ولم ينص على صحته أو حسنه أحد ممن يعتمد فهو حسن، وإن نص على ضعفه من يعتمد أو رأى العارف في سنده ما يقتضي الضعف ولا جابر له، حكم بضعفه ولم يلتفت إلى سكوت
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود .
قلت: وهذا هو التحقيق، لكنه خالف ذلك في مواضع من شرح المهذب
[ ص: 445 ] وغيره من تصانيفه، فاحتج بأحاديث كثيرة من أجل سكوت
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود عليها فلا يغتر بذلك - والله أعلم.