قال : قال : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ; فأما من قال : مطرنا بفضل الله ورحمته ، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب ، وأما من قال : مطرنا بنوء كذا وكذا ، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب .
[ ص: 258 ] (23) ومن باب : نسبة الاختراع إلى غير الله حقيقة كفر
(قوله : " صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل ") أكثر الرواة يشددون ياء الحديبية ، وهي لغة أهل اليمن ، وأهل العراق يخففونها . والجعرانة يقولها أهل المدينة بكسر العين وتشديد الراء ، وأهل العراق يسكنون العين ويخففون الراء ، nindex.php?page=showalam&ids=15990وابن المسيب وأهل المدينة يكسرون الياء مشددة ، وأهل العراق يفتحونها ، وكذلك قرأته ، وقيدته على من لقيته وقيدت عليه .
والحديبية : موضع فيه ماء بينه وبين مكة أميال ، وصل النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه وهو محرم بعمرة قبل فتح مكة ، فصده المشركون عن البيت ، فصالحهم وشرط لهم وعليهم ، ولم يدخل مكة في تلك السنة ، ورجع إلى المدينة ، فلما كان العام المقبل ، دخلها ، وسيأتي تفصيل ذلك كله ، إن شاء الله تعالى .
وإثر الشيء بكسر الهمزة وإسكان الثاء المثلثة : بعده وعقبه ، ويقال فيه : أثر ، بفتح الهمزة والثاء . والسماء هنا المطر ، سمي بذلك ; لأنه من السماء ينزل ، وحقيقة السماء : كل ما علاك فأظلك .
و (قوله : " فلما انصرف ، أقبل على الناس " ) أي : انصرف من صلاته ، وفرغ منها ; فظاهره : أنه لم يكن يثبت في مكان صلاته بعد سلامه ; بل كان ينتقل عنه ويتغير عن حالته ، وهذا الذي يستحبه nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك للإمام في المسجد ; كما سيأتي .
[ ص: 259 ] و (قوله : " أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ") ظاهره : أنه الكفر الحقيقي ; لأنه قابل به المؤمن الحقيقي ، فيحمل على من اعتقد أن المطر من فعل الكواكب وخلقها ، لا من فعل الله تعالى ; كما يعتقده بعض جهال المنجمين والطبائعيين والعرب .
أحدهما : أنه خالف الشرع ; فإنه قد حذر من ذلك الإطلاق .
وثانيهما : أنه قد تشبه بأهل الكفر في قولهم ، وذلك لا يجوز ; لأنا قد أمرنا بمخالفتهم ; فقال : خالفوا المشركين ، وخالفوا اليهود . ونهينا عن التشبه بهم ; وذلك يقتضي الأمر بمخالفتهم في الأفعال والأقوال على ما يأتي إن شاء الله تعالى ، ولأن الله تعالى قد منعنا من التشبه بهم في النطق ، بقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا [ البقرة : 104 ] لما كان اليهود يقولون تلك الكلمة للنبي - صلى الله عليه وسلم - يقصدون ترعينه ، منعنا الله من إطلاقها ، وقولها للنبي - صلى الله عليه وسلم - وإن قصدنا بها الخير ; سدا للذريعة ، ومنعا من التشبه بهم . فلو قال غير هذا اللفظ [ ص: 260 ] الممنوع يريد به الإخبار عما أجرى الله به سنته جاز ; كما قال - عليه الصلاة والسلام - : nindex.php?page=hadith&LINKID=913393إذا نشأت بحرية ثم تشاءمت ، فتلك عين غديقة .
والنوء لغة : النهوض بثقل ، يقال : ناء بكذا : إذا نهض به متثاقلا ; ومنه : لتنوء بالعصبة [ القصص : 76 ] أي : لتثقلهم عند النهوض بها . وكانت العرب إذا طلع نجم من المشرق ، وسقط آخر من المغرب ، فحدث عند ذلك مطر أو ريح : فمنهم من ينسبه إلى الطالع ، ومنهم من ينسبه إلى الغارب الساقط نسبة إيجاد واختراع ، ويطلقون ذلك القول المذكور في الحديث ، فنهى الشرع عن إطلاق ذلك ; لئلا يعتقد أحد اعتقادهم ، ولا يتشبه بهم في نطقهم ، والله أعلم .