وقوله - صلى الله عليه وسلم - : نحن الآخرون الأولون ، قد فسرته الرواية الأخرى التي قال فيها : نحن الآخرون من أهل الدنيا ، والأولون يوم القيامة ، المقضي لهم قبل الخلائق ، وأول من يدخل الجنة . وهذا كله شرف لهذه الأمة بشرف نبيها ، ولأنهم خير أمة أخرجت للناس .
وقوله : بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا : هكذا روينا هذا الحرف " بيد " بفتح الباء ، وسكون الياء ، وفتح الدال . قال أبو عبيد : تكون بيد بمعنى غير ، وبمعنى على ، وبمعنى : من أجل ، وأنشد :
عمدا فعلت ذاك بيد أني أخاف إن هلكت لم ترني
قال nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث : ويقال : ميد وبيد ; بالباء والميم ; بمعنى غير . قلت : ونصبه إذا كان بمعنى غير على الاستثناء ، ويمكن أن يقال : إنه بمعنى مع ، ويكون نصبه على الظرف الزماني .
وأوتوا الكتاب : أعطوه . والكتاب : التوراة ، ويحتمل أن يريد به التوراة والإنجيل ; بدليل : أنه قد ذكر بعد هذا اليهود والنصارى .
وقوله : فاختلفوا : يعني : في يوم الجمعة . وقد اختلف العلماء في كيفية [ ص: 492 ] ما وقع لهم من فريضة يوم الجمعة ، فقالت طائفة : إن موسى أمرهم بيوم الجمعة ، وعينه لهم ، وأخبرهم بفضيلته على غيره ، فناظروه : أن السبت أفضل . فقال الله له : دعهم وما اختاروا لأنفسهم . ونقلوا هذا القول . ويؤيد هذا قول نبينا - صلى الله عليه وسلم - في بعض طرق هذا الحديث : وهذا يومهم الذي فرض عليهم ، ثم اختلفوا فيه .
وقيل : إن الله لم يعينه لهم ، وإنما أمرهم بتعظيم يوم في الجمعة ، ووكل تعيينه إلى اختيارهم ، فاختلف اجتهادهم في تعيينه ، فعينت اليهود السبت ; لأن الله فرغ فيه من الخلق . وعينت النصارى يوم الأحد ; لأن الله تعالى بدأ فيه الخلق ، فألزم كل واحد منهم ما أداه إليه اجتهاده ، وعينه الله لهذه الأمة من غير أن يكلهم إلى اجتهادهم ; فضلا منه ونعمة . ويدل على صحة هذا : قوله - صلى الله عليه وسلم - : فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه ; أي : في تعيينه : هدانا الله له ; أي : بتعيينه لنا ، لا باجتهادنا . ومما يؤيده : أنه لو عين لهم فعاندوا فيه لما قيل : اختلفوا فيه ، وإنما كان ينبغي أن يقال : فخالفوا فيه وعاندوا . ومما يؤيده أيضا قوله في الأم في بعض طرقه : nindex.php?page=hadith&LINKID=844279أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا .
وقوله : فاليوم لنا ، وغدا لليهود ، وبعد غد للنصارى ; أي : بعد إلزام المشروعية بالتعيين لنا ، وبالاختيار لهم . وحق "غد" و " بعد " أن يكونا مرفوعين على المبتدأ ، وخبراهما في المجرورين بعدهما ، وقد قيدهما كذلك بعض من نعتمده . وقيدناهما أيضا بالنصب بناء على أنهما ظرفان غير متمكنين ، والأول أولى ; لأنهما قد أخبر عنهما هنا ، فقد خرجا عن الظرفية . وقد جاء في رواية : [ ص: 493 ] فاليهود غدا والنصارى بعد غد منصوبين على الظرف ، إلا أنهما متعلقان بمحذوف تقديره : فاليهود يعظمون غدا ، والنصارى بعد غد ، وضم إلى ذلك : أن ظروف الزمان لا تكون أخبارا عن الجثث .