رواه أحمد (3 \ 44-45)، والبخاري (1447)، ومسلم (979)، وأبو داود (1558)، والنسائي (5 \ 17) .
[ ص: 5 ] (9)
كتاب الزكاة
قد تقدم اشتقاق الزكاة في كتاب الإيمان ، وتسمى أيضا : صدقة ، مأخوذة من الصدق ; إذ هي دليل على صحة إيمانه ، وصدق باطنه مع ظاهره ، وقد تقدم استيفاء ذلك المعنى في كتاب الطهارة .
ثم موضوعها : الأموال النامية ; أي : الصالحة للنماء ، وهي : العين ، والحرث والماشية ، ثم هذه الأصول منها ما ينمي بنفسه ، كالحرث والماشية ; ومنها ما ينمو بتغيير عينه وتقليبه ، كالعين . والإجماع منعقد على تعلق الزكاة بأعيان هذه المسميات . فأما تعلق الزكاة بما سواها من العروض والديون ; ففيها للفقهاء ثلاثة أقوال :
nindex.php?page=showalam&ids=11990فأبو حنيفة : يوجبها على الإطلاق ، وداود يسقطها في ذلك ، nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك : يوجبها في عروض التجارة ، وفي الديون تفصيل يعرف في كتب فقهه ، وستأتي حجة كل فريق في تضاعيف الكلام .
(1) ومن باب: ما تجب فيه الزكاة ، وكم مقدار ما يخرج (قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة ) ، أواق: جمع [ ص: 6 ] أوقية . قال أبو عبيد : هي اسم لوزن مبلغه أربعون درهما كيلا . قال nindex.php?page=showalam&ids=12758ابن السكيت : الأوقية - ضم الهمزة وتشديد الياء - ، وجمعها أواق . ولا يقال: وقية - بفتح الواو - من غير همزة . وحكى اللحياني أنه يقال : وتجمع : وقايا .
ودرهم الكيل زنته خمسون حبة وخمسا حبة ، وسمي درهم الكيل ; لأنه بتكييل nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان ; أي : بتقديره وتحقيقه ، وذلك أن الدراهم التي كان الناس يتعاملون بها على وجه الدهر نوعان :
نوع عليه نقش فارس .
ونوع عليه نقش الروم .
أحد النوعين يقال له : البغلية ، وهي السود ، الدرهم منها ثمانية دوانق ، والأخرى يقال لها : الطبرية ، وهي العتق ، الدرهم منها من أربعة دوانق ، فجاء الإسلام وهي كذلك ، فكان الناس يتعاملون بها مجموعة على الشطر من هذه والشطر من هذه لدى الإطلاق ; ما لم يعينوا بالنص أحد النوعين .
وكذلك كانوا يؤدون الزكاة في أول الإسلام ; باعتبار مائة من هذه ، ومائة من هذه في النصاب . ذكر هذا أبو عبيد وغيره ، فلما كان nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان تحرج من نقوشها ، فضرب الدرهم بنقش الإسلام بعد أن تحرى معاملتهم الإطلاقية ، فجمع بين درهم بغلي من ثمانية دوانق ، وبين درهم طبري من أربعة دوانق ، فكان اثني عشر دانقا ، فقسمها نصفين ، فضرب الدرهم من نصفها وهو ستة دوانق ، والدانق : ثمان حبات ، وثلث حبة ، وثلثا خمس حبة من الشعير المطلق .
واتفق المسلمون على اعتبار درهم الكيل المذكور ; لموافقته ما كان معتبرا من عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلى أن ضربت ، وأن نصاب الزكاة مائتا درهم من دراهم الكيل .
[ ص: 7 ] وهي الخمسة الأواقي المذكورة في الحديث . ولم يخالفه في ذلك إلا من زعم أن أهل كل بلد يعتبرون النصاب بما يجري عندهم من الدراهم ، صغرت أو كبرت . وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13055ابن حبيب الأندلسي .
والصحيح ما ذهب إليه الجمهور ، ويعضده قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=674822الوزن على وزن أهل مكة ) ، وهو حديث صحيح . وقد تقدم أن هذا المقدار المذكور هو الذي كان [على] وزن أهل مكة ، في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وأما دينار الذهب: فهو أربعة وعشرون قيراطا . والقيراط: ثلاث حبات من وسط الشعير ، فمجموعه اثنتان وسبعون حبة ، وهو مجمع عليه .
والورق : بكسر الراء على الأصل ككبد " ، وبإسكانها تخفيف ، كما يقال : كبد وفخذ ، وهي الدراهم خاصة . ويقال عليها أيضا : الرقة - بتخفيف القاف .
ومنه قوله : (في الرقة ربع العشر) . قال nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر : جمعها : رقات ورقون . ومنه قولهم : وجدان الرقين يغطي أفن الأفين ; أي : وجدان الدراهم يغطي عيب المعيب .
قال nindex.php?page=showalam&ids=12002الهروي : يقال : رجل وارق : كثير الورق .
وقال بعضهم : لا يقال : لغير الدراهم ورق ، ولا رقة . وإنما يقال لها : فضة . وأما الفقهاء : فالفضة والورق عندهم سواء . وكذلك قال nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة : إن الرقة والورق : الفضة ، مسكوكها ، وغير مسكوكها .
وقوله: ( ليس فيما دون ) ; ظاهره أنه إذا نقص من النصاب ولو أقل ما [ ص: 8 ] ينطلق عليه اسم النقص ، لم تجب فيه زكاة ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة . وقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : إذا كان النقصان يسيرا لم تسقط الزكاة .
واختلف أصحابه في مقدار اليسير :
فمنهم من قال : هو ما لا يتشاح فيه في العادة .
ومنهم من فسره : بأنه المقدار الذي تختلف فيه الموازين . وهذا عندهم بشرط جوازها بجواز الوازنة .
وحكي عن nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز : أن نصاب الدراهم إن نقص ثلاثة دراهم ، ونصاب الذهب إن نقص ثلث دينار ، لم تسقط الزكاة .
والظاهر مع nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، والمعنى مع أصحابنا .
و" دون " في كل مواضع هذا الحديث بمعنى : أقل ; أي : ليس في أقل من خمس صدقة ، لا أنه نفى عن غير الخمس الصدقة ، كما زعم بعضهم في قوله : (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) ; أنها بمعنى غير .
وقوله : ( خمس ذود ) : الرواية المشهورة فيه على الإضافة ، ومنهم من يرويه بالتنوين على البدل . والصحيح في الرواية إسقاط الهاء من " خمس " على التأنيث . وأثبتها بعضهم على التذكير ، وهذا على الخلاف في " الذود " ، هل يطلق على الإناث أو على الذكور ؟ على ما يأتي .
وأصل وضع الذود إنما هو مصدر ، من ذاد يذود ، إذا دفع شيئا ، فكأن من كان عنده دفع عن نفسه معرة الفقر ، أو شدة الفاقة والحاجة . واختلف اللغويون فيه :
فقال أبو عبيد : هو ما بين الثنتين إلى التسع ، ومن الإناث دون الذكور . ونحوه عند nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه في التأنيث ، فقال : يقال : ثلاث ذود ; لأن الذود أنثى ، وليس باسم كسر عليه مذكره .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي : الذود : ما بين الثلاث إلى العشر . والضبة : خمس أو ست ، والصرمة : ما بين العشر إلى العشرين ، والفكرة : ما بين العشرين إلى الثلاثين ، والهجمة : ما بين الستين إلى السبعين ، والهنيدة : مائة ، والخطر : نحو المائتين ، والعرج : من خمسمائة إلى الألف . قال غيره : وهند - غير مصغر - : مائتان ، وأمامة : ثلاثمائة . وأنكر [ ص: 9 ] nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة أن يراد بالذود: الواحد ، وقال : لا يصح أن يقال : خمس ذود ، كما لا يقال : خمس ثوب .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض : الذود : ما بين الثلاثة إلى العشرة ، ولا واحد له من لفظه ، إنما يقال في الواحد : بعير ، كما يقال للواحدة من النساء : امرأة . وقال غيره : خمس ذود ، كما يقال خمس أبعرة ، وخمسة جمال ، وخمس نوق . وقد نص بعض اللغويين: على أن " الذود " يكون وحدا .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11970أبو حاتم : تركوا القياس في الجمع فقالوا : ثلاث ذود لثلاث من الإبل ، وأربع ذود ، وعشر ذود على غير قياس ، كما قالوا : ثلاثمائة وأربعمائة ، والقياس : مائتين ومئات ، ولا يكاد يقولونه .
قلت : وهذا صريح بأن الذود واحد في لفظه ، والأشهر ما قاله المتقدمون: إنه لا يقال على الواحد ، والله أعلم .
وقوله : (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) ; الأوسق : جمع قلة الوسق ، كفلس وأفلس ، ويقال : أوساق : جمع وسق - بكسر الواو - ، كما يقال : عدل وأعدال .
واختلفوا في اشتقاقه ، فقال شمر : كل شيء حملته فقد وسقته ، يقال : ما أفعل كذا ما وسقت عيني الماء : أي : ما حملته . وقال غيره : الوسق : ضمك الشيء إلى الشيء وجمعه ، ومنه قوله تعالى : والليل وما وسق ; أي : جمع وضم ، يقال للذي يجمع الإبل : واسق ، وللإبل نفسها : وسقت ، وقد وسقتها فاستوسقت ; أي : اجتمعت وانضمت .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : الوسق : تمام حمل الدواب النقالة ، وهو ستون صاعا . قال غيره : والصاع : أربعة أمداد ، والمد : رطل وثلث بالعراقي . والرطل العراقي : هو اثنا عشر أوقية . والأوقية هنا : [ ص: 10 ] هي زنة عشرة دراهم وثلثي درهم ، من دراهم الكيل ، فمبلغ زنة الرطل من دراهم الكيل : مائة درهم وثمانية وعشرون درهما .
ولم يجر في هذا الحديث ذكر لنصاب الذهب ، ولا وقع في " الصحيحين " ، ولا ما يدل على اشتراط الحول في الزكاة .
قلت : هذا الحديث غاية ما قيل فيه : أن nindex.php?page=showalam&ids=15627جرير بن حازم رواه عن أبي إسحاق ، وقرن فيه بين عاصم بن ضمرة ، وهو ثقة ، وبين nindex.php?page=showalam&ids=14057الحارث الأعور ، وهو كذاب . ورواه جماعة من الأئمة عن أبي إسحاق ، عن عاصم موقوفا على nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، فقال من رد ذلك الحديث : لعل جريرا سمعه من أبي إسحاق عن عاصم موقوفا ، وسمعه عنه الحارث في هذا الحديث مسندا ، ولذلك قرن بينهما ، وكأن الإسناد متلقى عن الحارث .
وهذا لا ينبغي أن يرد الخبر له ، لأنه وهم ، وظن غير محقق ، بل هو مردود ; لأن المعتمد ثقة nindex.php?page=showalam&ids=97جرير وأمانته ، وقد أخبر بأنه سمعه منهما في مساق [ ص: 11 ] واحد ، وظاهره : أنه تلقاه عن كل واحد منهما على نحو ما تلقاه عن الآخر ، فيعتمد على رواية الثقة ، وتلغى رواية غيره ، ولا يضره وقــف من وقــفه ، إذا كان الذي رفعه ثقة .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض : فأما نصاب الذهب فهو عشرون دينارا ، والمعول في تحديده على الإجماع ، وقد حكي فيه خلاف شاذ ، وورد فيه أيضا حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
قلت : وأما نصاب الإبل والغنم ، فلم يخرج في كتاب nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من ذلك شيء . وقد خرج nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري فيه كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=showalam&ids=1لأبي بكر الصديق . وأما نصاب البقر فلم يقع في " الصحيحين " شيء من ذلك . وقد روى في ذلك nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عن nindex.php?page=showalam&ids=17073مسروق ، عن nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=104033لما بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا أو تبيعة ، ومن كل أربعين مسنة ، ومن كل حالم دينارا ، أو عدله معافر . غير أنه منقطع ، لم يلق nindex.php?page=showalam&ids=17073مسروق nindex.php?page=showalam&ids=32معاذا . وقد خرجه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي عن nindex.php?page=showalam&ids=12077أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، عن أبيه ، ولم يسمع أبو عبيدة من أبيه . ورواه nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك عن nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس ، عن nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ من فعله موقوفا ، nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس لم يدرك nindex.php?page=showalam&ids=32معاذا .
وأحسن ما في الباب ما خرجه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ، عن nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي ، عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=65036في كل أربعين من البقر مسنة ، وفي كل ثلاثين تبيع أو تبيعة ) ، قال : هذا يروى مرسلا عن nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي ، وهو الصواب .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد بن حزم : قد صح الإجماع المتيقن المقطوع به ، الذي [ ص: 12 ] لا اختلاف فيه : أن في كل خمسين بقرة: بقرة . فوجب الأخذ بهذا ، وما دون ذلك مختلف فيه ، ولا نص في إيجابه .
قلت : وحديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر nindex.php?page=showalam&ids=44وأبي سعيد يدلان: على أن ما نقص عن هذه النصب ليس فيه زكاة ، ولا خلاف في ذلك ، إلا ما ذهب إليه nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة وبعض السلف من أن الحب تخرج الزكاة من قليله وكثيره ، والحديثان حجتان عليهم .
وقال داود : كل ما يدخله الكيل فتراعى فيه الخمسة الأوسق ، وما عداه مما لا يوسق ، ففي قليله وكثيره الزكاة .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض : وأجمعوا على أن في عشرين دينارا الزكاة . ولا تجب في أقل منها ، إلا ما روي عن الحسن nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري مما لم يتابعا عليه : أن لا صدقة في أقل من أربعين دينارا ، والأشهر عنهما ما روي عن الجماعة . وروي عن بعض السلف : أن الذهب إذا كانت قيمته مائتي درهم فيها الزكاة ، فإن نقصت عن ذلك فلا شيء فيه .
واتفقوا على أن ما زاد من الحب على خمسة أوسق ، أن الزكاة في قليله وكثيره ، ولا وقص فيه . واتفقوا على الأوقاص في المواشي .
واختلفوا في الذهب والفضة ، فذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وبعض السلف والجمهور إلى أن لا وقص فيهما . وذهب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة وبعض الجماعة إلا أنه لا شيء فيما زاد على المائتي درهم حتى تبلغ أربعين ، ولا على العشرين دينارا حتى تبلغ أربعة دنانير ، فإذا زادت على ذلك ، ففي كل أربعين درهما درهم . وفي كل أربعة دنانير درهم ، ومعتمدهم في هذا: حديث ضعيف لا أصل له .
nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك وجمهور علماء الأمصار يرون ضم الذهب والفضة على اختلاف بينهم : nindex.php?page=showalam&ids=16867فمالك وجماعة يراعون الوزن ، والضم على الأجزاء لا على القيم ، وينزلون كل دينار منزلة عشرة دراهم على الصرف القديم . nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري يرون ضمها على القيمة في وقت الزكاة .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وداود nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد : لا يضم منها شيء إلى شيء ، ويراعى نصاب كل واحد منهما بنفسه .
وذهب آخرون إلى [ ص: 13 ] أنه إنما يضم إذا كمل من أحدهما نصاب ، فيضم الآخر ، ويزكى الجميع .