[ ص: 58 ] (11) ومن باب: لا يقبل الله الصدقة إلا من ذي الكسب الطيب
قوله - صلى الله عليه وسلم - : (إن الله طيب) ; أي : منزه عن النقائص والخبائث ، فيكون بمعنى : القدوس ، وقيل : طيب الثناء ، ومستلذ الأسماء عند العارفين بها . وعلى هذا : فطيب من أسمائه الحسنى ، ومعدود في جملتها المأخوذة من السنة ; كالجميل والنظيف ; على قول من رواه ورآه .
وإنما لا يقبل الله الصدقة من المال الحرام ; لأنه غير مملوك للمتصدق ، وهو ممنوع من التصرف فيه ، والتصدق به تصرف فيه ، فلو قبلت منه ; لزم أن يكون مأمورا به ، منهيا عنه من وجه واحد ، وهو محال ، ولأن أكل الحرام يفسد القلوب ، فتحرم الرقة والإخلاص ، فلا تقبل الأعمال . وإشارة الحديث إلى أنه لم يقبل ; لأنه ليس بطيب ، فانتفت المناسبة بينه وبين الطيب بذاته .
وقوله : ( إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ) ; يعني : أنه سوى بينهم في الخطاب بوجوب أكل الحلال .
ورزقناكم هنا بمعنى : ملكناكم ، وقد يكون في موضع آخر : نفعناكم . وقد تقدم الكلام على الرزق .
وقوله : " ثم ذكر الرجل يطيل السفر " يعني : في الحج والجهاد . وما أشبه ذلك من أسفار الطاعات ; إلا أن أشعث أغبر ; يدل على المحرم . والشعث في الشعر ، والغبرة في سائر الجسد .
[ ص: 60 ] وقوله : ( فأنى يستجاب لذلك ) ; أي : كيف - على جهة الاستبعاد - ، ومعناه : أنه ليس أهلا لإجابة دعائه ، لكن يجوز أن يستجيب الله له تفضلا ولطفا وكرما .
وقوله : ( إلا أخذها الرحمن بيمينه ) ; أي : قبلها مشرفة مكرمة ، مرضيا بها ، بالغة محلها ، وهذا كما قال الشاعر :
إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين
أي : هو مؤهل للمجد والشرف ، ولم يرد بها اليمين الجارحة ; لأن المجد معنى ، والمعنى الذي يتلقى به رايته معنى ، وكذلك اليمين في حق الله تعالى .
وقوله : ( فتربو ) ; أي : يزيد ثوابها . و (كفا الرحمن) : عبارة عن محل القبول ، ويجوز أن يكون مصدر: كف يكف كفا ، ويكون معناه : الحفظ والصيانة ، فكأنه قال : تلك الصدقة في حفظ الله وكلاءته ، فلا ينقص ثوابها ، ولا يبطل جزاؤها ، والله تعالى أعلم .
ويحتمل أن يكون الكف عبارة عن كفة الميزان الذي توزن فيه الأعمال ، فيكون من باب حذف المضاف ، كأنه قال : فتربو في كفة ميزان الرحمن .
و" القلوص " : الناقة الفتية ، كالجارية في النساء . والفلو من الإبل : كالصبي في الرجال .