[ ص: 80 ] وقوله : ( وابدأ بمن تعول ) ; يعني : أنه يبدأ بكفاية من تلزمه كفايته ، ثم بعد ذلك يدفع لغيرهم ; لأن القيام بكفاية العيال واجب ، والصدقة على الغير مندوب إليها ، ولا يدخل في ذلك ترفيه العيال الزائد على الكفاية ، فإن الصدقة بما يرفه به العيال أولى ; لأن من لم تندفع حاجته أولى بالصدقة ممن اندفعت حاجته في مقصود الشرع .
وقوله : (" خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى) ; أي : ما كان من الصدقة بعد القيام بحقوق النفس وحقوق العيال . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : أي : متبرعا ، أو عن غنى يعتمده ، ويستظهر به على النوائب . والتأويل الأول أولى ، غير أنه يبقى علينا النظر في درجة الإيثار التي أثنى الله بها على الأنصار ; إذ قال : ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة وقد روي : أن هذه الآية نزلت بسبب رجل من الأنصار ضافه ضيف فنوم صبيته وأطفأ السراج ، وآثر الضيف بقوتهم . وكذلك قوله تعالى : ويطعمون الطعام على حبه ; أي : على شدة الحاجة إليه والشهوة له ، ولا شك أن صدقة من هذه حاله أفضل .
فأما على ما أولنا به الغنى ، فيرتفع التعارض ، وبيانه : أن الغنى يعني به في الحديث : حصول ما تدفع به الحاجات الضرورية ; كالأكل عند الجوع المشوش الذي لا صبر عليه ، وستر العورة ، والحاجة إلى ما يدفع به عن نفسه الأذى ، وما هذا سبيله ، فهذا ونحوه مما لا يجوز الإيثار به ، ولا التصدق ، بل يحرم ; وذلك: أنه إن آثر غيره بذلك ، أدى إلى هلاك نفسه ، أو الإضرار بها ، أو كشف عورته ، فمراعاة حقه أولى على كل حال ، فإذا سقطت هذه الواجبات صح الإيثار ، وكأن صدقته هي الأفضل ; لأجل ما يحمله من مضض الحاجة وشدة المشقة ، والله تعالى أعلم .