وفي رواية " أوخير هو ؟ " ، إن كل ما ينبت الربيع يقتل حبطا أو يلم إلا آكلة الخضر فإنها تأكل ، حتى إذا امتلأت خاصرتاها استقبلت الشمس ثم اجترت . وبالت وثلطت ثم عادت فأكلت ، فإن هذا المال خضرة حلوة ، فمن أخذه بحقه ووضعه في حقه ، فنعم المعونة هو . ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع) .
رواه أحمد (3 \ 7)، ومسلم (1052) (121-123)، وابن ماجه (3995) .
[ ص: 96 ] و ( زهرة الدنيا ) : زينتها ، وما يزهر منها ، مأخوذ من زهر الأشجار ، وهو ما يصفر من نوارها . والنور " : هو الأبيض منها ، وهذا قول nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي . وحكى nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : أن النور والزهر سواء . وقد فسرها - صلى الله عليه وسلم - : بأنها بركات الأرض ; أي : ما تزهر به الأرض من الخيرات والخصب .
و ( قول السائل ) : " وهل يأتي الخير بالشر ؟ " سؤال من استبعد حصول شر من شيء سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بركات " ، وسماه خيرا في قوله تعالى : وإنه لحب الخير لشديد وشبهه مما سمي المال فيه: خيرا . فلما فهم - صلى الله عليه وسلم - من سؤاله هذا الاستبعاد أجابه جواب من بقي عنده اعتقاد: أن الخير الذي هو المال قد يعرض له أن يحصل عنه شر ; إذا تعدى به حده وأسرف فيه ، ومنع من حقه ، ولذلك قال : " أوخير هو ؟ " بهمزة الاستفهام ، وواو العطف الواقعة بعدها المفتوحة على الرواية الصحيحة ، منكرا على من توهم أنه لا يحصل منه شر أصلا ، لا بالذات ، ولا بالعرض .
وقوله : ( إن كل ما ينبت الربيع يقتل حبطا أو يلم ) ، الربيع : الجدول الذي يسقى به . والجمع : أربعاء . والجدول : النهر الصغير ، الذي ينفجر من النهر [ ص: 97 ] الكبير . والحبط " : الانتفاخ ، يقال : حبطت الدابة تحبط ، إذا انتفخ بطنها من كثرة الأكل ، وربما تموت من ذلك ، وأصل الحبط : الإبطال والإفساد . ومنه : فحبطت أعمالهم ; أي : بطلت .
و" يلم " ; أي : يقرب من الموت ، وأصله : من ألم بالمكان ; إذا نزل به . ومنه قول الشاعر :
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا
أي : تنزل .
قال الأزهري : هذا الخبر إذا بتر لم يكد يفهم ، وفيه مثلان ، ضرب أحدهما للمفرط في جمع الدنيا ومنعها من حقها ، وضرب الآخر للمقتصد في أخذها والانتفاع بها .
فأما قوله : ( وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا) ، فهو مثل للمفرط الذي يأخذها بغير حق ; وذلك أن الربيع ينبت أحرار البقول والعشب ، فتستكثر منها الماشية ، حتى تنتفخ بطونها لما جاوزت حد الاحتمال ، فتنشق أمعاؤها وتهلك ، وكذلك الذي يجمع الدنيا من غير حلها ، ويمنع ذا الحق حقه ، فيهلك في الآخرة بدخوله النار . وأما مثل المقتصد ، فقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( إلا آكلة الخضر ) إلى آخره ، وذلك أن الخضر ليست من أحرار البقول التي ينبتها الربيع ، ولكنها من الجنبة التي ترعاها المواشي بعد تهيج البقول ، فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - آكلة الخضر من المواشي مثلا لمن [ ص: 98 ] يقتصد في أخذه الدنيا وجمعها ، ولا يحمله الحرص على أخذها بغير حقها ، فهو ينجو من وبالها كما نجت آكلة الخضر ، ألا تراه - صلى الله عليه وسلم - قال : ( فإنها إذا أصابت من الخضر استقبلت عين الشمس ، فثلطت وبالت ) ; أراد أنها إذا شبعت منها بركت مستقبلة الشمس ; لتستمرئ بذلك ما أكلت ، وتجتر ، وتثلط ، وإذا ثلطت فقد زال عنها الحبط ، وإنما تحبط الماشية لأنها لا تثلط ، ولا تبول . هذا آخر كلام الأزهري .
والثلط " : ما تلقيه الماشية سهلا رقيقا ، يقال منه : ثلط يثلط ثلطا .
واجترت " ; أي : مضغت جرتها ، وهو ما أخرجته من جوفها إلى فيها مما رعته . والخضر " : كلأ الصيف .
قال الأزهري : هو - هنا - ضرب من الجنبة . وهي من الكلأ ما له أصل غامض في الأرض ، واحدتها خضرة . ووقع في رواية العذري : " إلا آكلة الخضرة - بفتح الخاء ، وكسر الضاد - على الإفراد . كما قال الأزهري . وعند nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري : الخضرة : بضم الخاء ، وسكون الضاد . والرواية الصحيحة : " إلا آكلة الخضرة بإلا المشددة ، للاستثناء ، وهو الواضح . ووقع لبعضهم : " ألا " ، التي للاستفتاح ، وبعدها واضح ، وفيها تكلف .
وقوله : ( ويكون عليه شهيدا يوم القيامة ) ; يحتمل البقاء على ظاهره ، وهو أنه يجاء بماله يوم القيامة فينطق الصامت منه بما فعل فيه ، أو يمثل له أمثال حيوانات ، كما جاء في مال مانع الزكاة من أنه يمثل له ماله شجاعا أقرع ، أو يشهد عليه الموكلون بكتب الكسب والإنفاق وإحصاء ذلك ، والله تعالى أعلم .