المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
1753 [ 926 ] وعن أنس بن مالك ، أن ناسا من الأنصار قالوا يوم حنين حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء ، فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل ، فقالوا : يغفر الله لرسول الله يعطي قريشا ويتركنا ، وسيوفنا تقطر من دمائهم .

قال أنس بن مالك : فحدث ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قولهم ، فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم ، فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : (ما حديث بلغني عنكم ؟) فقال له فقهاء الأنصار : أما ذوو رأينا يا رسول الله فلم يقولوا شيئا ، وأما أناس منا حديثة أسنانهم قالوا : يغفر الله لرسوله يعطي قريشا ويتركنا ، وسيوفنا تقطر من دمائهم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (
فإني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم ، أفلا ترضون أن يذهب الناس بالأموال وترجعون إلى رحالكم برسول الله ؟ فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به) .

فقالوا : بلى يا رسول الله ! قد رضينا ، قال : (فإنكم ستجدون أثرة شديدة ، فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله ، فإني على الحوض) قالوا : سنصبر .


وفي رواية : جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأنصار فقال : (أفيكم أحد من غيركم ؟) فقالوا : لا إلا ابن أخت لنا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (إن ابن أخت القوم منهم) ، فقال : (إن قريشا حديث عهد بجاهلية ومصيبة وإني أردت أن أجبرهم وأتألفهم ، أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله إلى بيوتكم ؟ لو سلك الناس واديا ، وسلك الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار) .

وفي أخرى : فانهزم المشركون وأصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غنائم كثيرة ، فقسم في المهاجرين والطلقاء ، ولم يعط الأنصار شيئا ، فقالت الأنصار : إذا كانت الشدة فنحن ندعى ويعطى الغنائم غيرنا ، فبلغه ذلك فجمعهم في قبة ، فقال : ما حديث بلغني عنكم ؟ وذكر نحو ما تقدم .

رواه أحمد (3 \ 246)، والبخاري (4331)، ومسلم (1059)، والترمذي (3901) .


وقوله : " حين أفاء الله " ; أي رد ورجع ، والفيء : الرجوع ، ومنه سمي الظل بعد الزوال : فيئا ; لأنه رجع من جانب المغرب إلى جانب المشرق .

وكأن الأموال التي بأيدي الكفار كانت بالأصالة للمؤمنين ، إذ الإيمان هو الأصل ، والكفر طارئ عليه ، فغلب الكفار على تلك الأموال ، فإذا غنم المسلمون منها شيئا رجعت إلى نوع من كان ملك أصلها .

وقوله : " فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ; أي : جعل ، وهي من أخوات " كاد " ، إلا أنها [ ص: 104 ] متصلة بالفعل الذي هو خبرها ، وكاد " مقاربة مفارقة . وقد تقدم الكلام عليها . والأدم " : الجلد .

وقوله : ( فإنكم ستجدون أثرة شديدة ) ، روي عن العذري والطبري ، وهي روايتنا : " أثرة " - بفتح الهمزة والثاء . قال أبو عبيد : أي : يستأثر عليكم فيفضل غيركم نفسه عليكم في الفيء . والأثرة : اسم من : آثر يؤثر إيثارا . قال الأعشى :


استأثر الله بالبقاء وبالـ ـعدل وولى الملامة الرجلا

[ ص: 105 ] قال : وسمعت الأزهري يقول : الأثرة : الاستئثار . والجمع : الأثر .

وعند أبي بحر في هذا الحرف بضم الهمزة وسكون الثاء . وأصل الأثرة : الفضل . قال أبو عبيد : يقال : له علي أثرة ; أي : فضل ، ومعناها قريب من الأول . وقيد عن علي أبي الحسين بن سراج الوجهين .

و" الوادي " : مجرى الماء المتسع . والشعب " : الطريق في الجبل . والشعار " : الثوب الذي يلي الجسد . و " الدثار " : الذي يلي الشعار . ومعناه : أن الأنصار هم خاصته - صلى الله عليه وسلم - وبطانته . وليس كذلك غيرهم . و " الطلقاء " : هم الذين [ ص: 106 ] من عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وخلى سبيلهم يوم فتح مكة . وأصله : أنه أطلقهم ، بعدما حصلوا في وثاقه .

التالي السابق


الخدمات العلمية