المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
1888 [ 990 ] وعن أبي سعيد الخدري ، قال: سافرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى مكة ونحن صيام قال: فنزلنا منزلا ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم ، وكانت رخصة فمنا من صام ، ومنا من أفطر ، ثم نزلنا منزلا آخر ، فقال: إنكم مصبحو عدوكم ، والفطر أقوى لكم فأفطروا ، وكانت عزمة فأفطرنا ، ثم لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك في السفر .

رواه مسلم (1120)، وأبو داود (2406)، والترمذي (712 و 713)، والنسائي (3 \ 188 و 189 ) .


[ ص: 183 ] وقوله : ( إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم ) ; دليل على أن حفظ القوة بالفطر أفضل لمن هو منتظر للقاء العدو .

وقوله : ( فكانت رخصة ) ; يعني : أنهم لم يفهموا من هذا الكلام الأمر بالفطر ، ولا الجزم به . وإنما نبه به على أن الفطر أولى لمن خاف الضعف .

وسمي هذا : رخصة بناء على أن كل مكلف مخاطب بصوم رمضان ، كما قد أفهمه قوله تعالى : كتب عليكم الصيام أو بالنسبة إليهم ; إذ كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد صام من حين خروجه من المدينة ، وصام الناس معه إلى أن بلغ الكديد ، كما تقدم ، فلما خاف عليهم الضعف نبههم على جواز الفطر ، وأنه الأفضل . فسمي ذلك رخصة بالنسبة إلى ترك ما كانوا قد اختاروه من الصوم ، ولما فهموا: أن هذا من باب الرخص كان منهم من هو موفور القوة فصام ، وكان منهم من خاف على نفسه فأفطر .

ثم بعد ذلك قال لهم : ( إنكم مصبحو عدوكم ، والفطر أقوى لكم ، فأفطروا ) . قال : ( وكانت عزمة ) ; أي : أنهم فهموا من أمره بالفطر أنه جزم ، ولا بد منه ، وأنه واجب ، فلم يصم منهم أحد عند ذلك فيما بلغنا ، ولو قدر هنالك صائم لاستحقوا أن يقال لهم : ( أولئك العصاة ) .

وقد حمل بعض علمائنا قوله : ( أولئك العصاة ) على هذا ، بناء على أن منهم من صام بعد الأمر بالفطر . ولم يسمع ذلك في حديث مروي ، وإنما هو تقدير من هذا القائل .

[ ص: 184 ] وقوله : ثم لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك في السفر ، دليل على أن الصوم هو الأصل والأفضل ، وأن الفطر إنما كان لعلة وسبب ، ولما زال ذلك رجع إلى الأفضل ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية