رواه البخاري (4506)، ومسلم (1145) (149 و 150 )، وأبو داود (2315)، والترمذي (798)، والنسائي (4 \ 190.
[ ص: 202 ] (17) ومن باب: نسخ الفدية
قوله تعالى : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين اختلف في قراءتها ، وفي معناها ، فأما قراءتها : فالجمهور على : (يطيقونه) بكسر الطاء وسكون الياء ، وأصله : يطوقونه ، وكذلك قراءة حميد .
ومشهور قراءة nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : " يطوقونه " . وقد روي عنه : " يطيقونه " . وقرأت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس nindex.php?page=showalam&ids=16705وعمرو بن دينار : " يطوقونه " .
فأما قراءة الجمهور فمعناها : يقدرون عليه . وعلى هذا تكون الآية منسوخة كما قال nindex.php?page=showalam&ids=119سلمة بن الأكوع ، nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=32ومعاذ بن جبل ، وعلقمة ، nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي ، والحسن ، nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ، nindex.php?page=showalam&ids=12300وابن شهاب .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : هم الذين كانوا يطيقونه وهم بحال الشباب ثم استحالوا بالشيخ فلا يستطيعون الصوم . وهي عنده محكمة ، وتلزم الشيوخ عنده الفدية . ونحوه عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وزاد : المريض الذي لا يقدر على الصوم ، وعضد هذا بقراءته المذكورة قبل .
قال القاضي أبو محمد بن عطية : الآية عند nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ; إنما هي فيمن يدركه رمضان وعليه صوم من رمضان المتقدم ، فقد كان يطيق في تلك المدة الصوم ، فترك ، فعليه الفدية .
وحكى nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري عن عكرمة : أنه كان يقرؤها : " وعلى الذين يطيقونه فأفطروا " .
[ ص: 203 ] وأما قراءة : " يطوقونه " ; فمعناه : يكلفونه مع المشقة اللاحقة لهم كالمريض والحامل ; فإنهما يقدران عليه ; لكن بمشقة تلحق رضيعها ، فذهب بعض الناس : إلى أنها محكمة لهؤلاء ، فإن صاموا أجزأهم ، وإن افتدوا فلهم ذلك ، وقاله nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس فيما حكاه عنه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود ، ورأيا : أنها ليست بمنسوخة ; لكنها مثبتة للشيخ والمرأة الكبيرة اللذين لا يستطيعان أن يصوما ، وللحامل والمرضع .
و يطيقونه بالياء مكان الواو مشددة ، مبنيا للمفعول ، مثل : (يطوقونه) بالمعنى . فأما قراءة nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة : فأصلها : (يتطوقونه) فأدغمت التاء في الطاء ، ومعناها : يتكلفون ذلك بأنفسهم مع المشقة ، ويرجع ذلك لما تقدم في المريض ومن ذكر معه .
فأما قوله تعالى : فدية طعام مسكين ففدية : مرفوع بالابتداء ، والخبر محذوف ; أي : فعليهم فدية ، أو خبر مبتدأ ; أي : فحكمهم فدية . وقراءة نافع وابن عامر : " ففدية طعام " بإضافة " فدية " إلى " طعام " وجمع " مساكين " . وقرأ هشام : " فدية طعام " ، بتنوين فدية ورفع طعام على أن الطعام بدل منها . وقرأ بقية السبعة كذلك ، إلا أنهم وحدوا مساكين وهي قراءة : حسنة ; لأنها بينت : أن الواجب في فطر يوم إطعام مسكين واحد ، فأما الجمع فلا يعرف من مساق الآية هل هم أعني : المساكين - بإزاء يوم واحد ، أو بإزاء أيام ؟ وإنما يعلم ذلك من دليل آخر .
[ ص: 204 ] ثم اختلفوا في مقدار هذا الطعام حيث يجب : فذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وجماعة من العلماء : إلى أنه مد لكل مسكين بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقد تقدم في الزكاة .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب : مد وثلث بمد أهل المدينة . وقال قوم : قوت يوم عشاء وسحور . وقال nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة : نصف صاع من قمح ، وصاع من تمر أو زبيب .
وقوله : فمن تطوع خيرا فهو خير له ; أي : من تطوع بزيادة على إطعام مسكين ، قاله nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وجماعة . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12300ابن شهاب : من أراد الإطعام مع الصوم . وقال nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : من زاد في الإطعام على المد .
وخير الأول والثاني بمعنى : أخير ، وأفضل ، معناه : من تطوع بأكثر من ذلك فهو أفضل عند الله .
وقوله : وأن تصوموا خير لكم ; أي : الصوم خير . وكذلك قرأها أبي . ومعناه : أن الصوم أفضل وأولى من الفدية .
وقول nindex.php?page=showalam&ids=119سلمة بن الأكوع : إن ذلك نسخ بقوله : فمن شهد منكم الشهر فليصمه هذا مقبول من قول الصحابي ; لأنه أعلم بالمقال ، وأقعد بالحال ، كما إذا قال : أمر ونهى . ووجه النسخ في هذا واضح ; وهو : أن آية الفدية تقتضي التخيير بين الفدية والصوم مطلقا ، كما قال سلمة . وهذه الآية الأخرى جاءت جازمة بالصوم لمن شهد الشهر ، رافعة لذلك التخيير .
ومعنى : شهد الشهر ; أي : حضر فيه مقيما في المصر . هذا قول جمهور العلماء ، وعلى هذا يكون الشهر منصوبا على الظرف ، ويكون معناه عندهم : أن من دخل عليه الشهر وهو مسافر ، أو طرأ عليه فيه سفر ; لم يجب عليه صومه .
وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، وعبيدة السلماني : أن معنى من شهد : من حضر دخول الشهر ، وكان مقيما في أوله فليكمل صيامه ، سافر بعد ذلك أو أقام ; وإنما يفطر في السفر من دخل عليه رمضان وهو في السفر .
قلت : وهذا القول يرده فطر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في السفر الطارئ عليهم بفتح مكة ، على ما تقدم . وقد كانوا ابتدؤوا الصوم في الحضر . وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : من [ ص: 205 ] شهد الشهر بشروط التكليف فليصمه ، ومن دخل عليه وهو مجنون ، وتمادى به طول الشهر فلا قضاء عليه ; لأنه لم يشهد الشهر بصفة يجب بها الصيام . ومن جن أول الشهر ، أو آخره ; فإنه يقضي أيام جنونه .
قال القاضي أبو محمد بن عطية : ونصب الشهر على هذا التأويل على المفعول الصريح : بـ (شهد) .