حديث nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو اشتهر وكثر رواته ، فكثر اختلافه حتى ظن من لا بصيرة عنده: أنه مضطرب . وليس كذلك ; فإنه إذا تتبع اختلافه ، وضم بعضه إلى بعض انتظمت صورته ، وتناسب مساقه ; إذ ليس فيه اختلاف تناقض ، ولا تهاتر ، بل يرجع اختلافه إلى أن ذكر بعضهم ما سكت عنه غيره ، وفصل بعض ما أجمله غيره . وسنشير إلى بعضه إن شاء الله تعالى .
وقوله : ( ألم أخبر أنك تصوم ولا تفطر ، وتصلي ) ; هذا إنما فعله عبد الله بعد أن التزمه بقوله : ( لأصومن النهار ، ولأقومن الليل ما عشت - كما جاء في الرواية الأخرى- فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فحكى بعض الرواة الفعل ، وحكى بعضهم القول .
وقوله : ( لا تفعل ) نهي عن الاستمرار في فعل ما التزمه لأجل ما يؤدي إليه من المفسدة التي نبه عليها بقوله : ( فإنك إذا فعلت ذلك هجمت عيناك ) ; قال المفسرون : أي : غارتا ودخلتا .
قلت : وتحقيقه : هجمت على الضرر دفعة واحدة . فإن الهجم هو : أخذ الشيء بسرعة بغتة . ويحتمل أن يكون معناه : هجمت العين عليه بغلبة النوم لكثرة السهر السابق ، فينقطع عما التزم ، فيدخل في ذم من ابتدع رهبانية ولم يرعها ، وكما قال له : ( يا عبد الله ! لا تكن مثل فلان ; كان يقوم الليل ، فترك قيام الليل ) .
[ ص: 225 ] وقوله : ( ونفهت نفسك ) ; أي : أعيت ، وضعفت عن القيام بذلك ، كما قال في لفظ آخر : ( نهكت نفسك ) .
وقوله : ( فإن لعينك حظا ، ولنفسك حظا ) ; أي : من الرفق بهما ، ومراعاة حقهما ، وقد سمى في الرواية الأخرى : الحظ : ( حقا ) ; إذ هو بمعناه ، وزاد : ( فإن لزوجك عليك حقا ، ولزورك عليك حقا ) ، وفي لفظ آخر : ( ولأهلك ) مكان ( ولزوجك ) .
وأما حق الزوجة فهو في الوطء ، وذلك إذا سرد الصوم ، ووالى القيام بالليل منعها بذلك حقها منه .
وأما حق الزور - وهو الزائر والضيف - فهو : القيام بإكرامه ، وخدمته ، وتأنيسه بالأكل معه .
وأما الأهل فيعني به هنا : الأولاد ، والقرابة . وحقهم : هو في الرفق بهم ، والإنفاق عليهم ، ومؤاكلتهم ، وتأنيسهم . وملازمة ما التزم من سرد الصوم ، وقيام الليل يؤدي إلى امتناع تلك الحقوق كلها .
وقوله : ( صم من كل عشرة يوما ) ; هذا في المعنى موافق للرواية التي قال فيها : ( صم من كل شهر ثلاثة أيام ، فإن الحسنة بعشر أمثالها ) ; وكذلك قوله في الرواية الأخرى : ( صم يوما ولك أجر ما بقي ) ، على ما يأتي . وهذا الاختلاف وشبهه من باب النقل بالمعنى .
وقوله : ( فصم صوم داود ) ; هكذا جاء في هذه الرواية ، سكت فيها عن المراتب التي ثبتت في الرواية الآتية بعد هذا ، وذلك أن فيها نقلة من صيام ثلاثة [ ص: 226 ] أيام في الشهر إلى أربعة فيها ، ومنها إلى صوم يومين وإفطار يومين ، ثم منها إلى صوم يوم وإفطار يوم . وهذا محمول على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - درجه في هذه المراتب هكذا ، لكن بعض الرواة سكت عن ذكر بعض المراتب إما نسيانا ، أو اقتصارا على قدر ما يحتاج إليه في ذلك الوقت ، ثم في وقت آخر ذكر الحديث بكماله .
وقوله : ( فصم صوم داود ; فإنه كان أعبد الناس ) ; إنما أحاله على صوم داود ، ووصفه : بأنه كان أعبد الناس لقوله تعالى : واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب قال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : الأيد هنا : القوة على العبادة . و (الأواب) : الرجاع إلى الله تعالى وإلى عبادته ، وتسبيحه .
وقوله : ( ولا يفر إذا لاقى ) ; تنبيه على أن صوم يوم ، وإفطار يوم لا يضعف ملتزمه ، بل يحفظ قوته ، ويجد من الصوم مشقته كما قدمناه ، وذلك بخلاف سرد الصوم فإنه ينهك البدن والقوة ، ويزيل روح الصوم ; لأنه يعتاده ، فلا يبالي به ، ولا يجد له معنى .
وقول nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو : ( من لي بهذه ) ; إشارة إلى استبعاد عدم الفرار ، وتمني أن لو كانت له تلك القوة . ومعنى قوله : (من لي بهذا الشيء) ; أي : من يتكفل لي به ؟ أو من يحصله لي ؟ .
وقول nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء : ( فلا أدري كيف ذكر صيام الأبد ؟ ) . هو شك عرض للراوي ، ثم [ ص: 227 ] قال بعد أن عرض له ذلك الشك : ( لا صام من صام الأبد ) ، فأتى بصوم الأبد على هذا اللفظ من غير شك ولا تردد ، بل حقق نقله ، وحرر لفظه .
وأما الذي تقدم في حديث nindex.php?page=showalam&ids=60أبي قتادة : فإنه شك في أي اللفظين قال ، فذكرهما ، فقال فيه : قال : يا رسول الله! كيف من يصوم الدهر ؟ ! قال : (لا صام ، ولا أفطر) ، أو : (لم يصم ، ولم يفطر) . وقد تقدم القول على صوم الدهر .
و ( الأبد ) : من أسماء الدهر . والمراد به هنا : سرد الصوم دائما ، والله تعالى أعلم .