رواه البخاري (1562)، ومسلم (1211) (124)، وأبو داود (1779) .
(14) ومن باب: أنواع الإحرام
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( من أراد أن يهل بحج وعمرة فليفعل ، ومن أراد أن يهل بحج فليهل ، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل ) ; هذا يقضي : بأن أنواع الإحرام ثلاثة ، وأن المكلف مخير في أيها أحب ; وإنما خلاف العلماء في الأفضل من تلك الأنواع :
فذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور : إلى أن إفراد الحج أفضل ، وهو أحد قولي nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري : القران أفضل .
[ ص: 309 ] وقال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، وإسحاق ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي - في القول الآخر - ، وأهل الظاهر : إن التمتع أفضل .
وسبب اختلافهم : اختلاف الروايات في إحرام النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فروت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر بن عبد الله ، nindex.php?page=showalam&ids=110وأبو موسى ، nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر رضي الله عنهم : أنه - صلى الله عليه وسلم - أحرم بالحج . وروى nindex.php?page=showalam&ids=9أنس ، nindex.php?page=showalam&ids=40وعمران بن حصين ، nindex.php?page=showalam&ids=48والبراء بن عازب ، nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم : أنه قرن الحج والعمرة . وروى nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : أنه تمتع .
فلما تعارضت هذه الروايات الصحيحة ; صار كل فريق إلى ما هو الأرجح عنده ، فما اعتضد به nindex.php?page=showalam&ids=16867لمالك : أن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أعلم بدخلة أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غيرها ; لملازمتها له ، ولبحثها وجدها في طلب ذلك . وكذلك nindex.php?page=showalam&ids=36جابر : هو أحفظ الناس لحديث حجته - صلى الله عليه وسلم - ، ولأن الإفراد سلم عما يجبر بالدم ; فخلاف التمتع والقران ; إذ كل واحد منهما يجبر ما يقع فيهما من النقص بالدم . ومما اعتضد به لمن قال : إن القران أفضل : أن nindex.php?page=showalam&ids=9أنسا خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنده من تحقيق ذلك ما ليس عند غيره ; إذ قد نقل لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك ، فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : (لبيك عمرة وحجا) . وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=48البراء الذي خرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي [ ص: 310 ] رضي الله عنه - حين سأله عن إحرامه ، فقال له : (كيف صنعت ؟) فقال : أهللت بإهلالك ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : (إني سقت الهدي وقرنت) ; وهذا نص رافع للإشكال . وفي nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوادي العقيق يقول : (أتاني الليلة آت من ربي فقال : صل في هذا الوادي المبارك وقل : عمرة في حجة) .
وأما رواية nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر في التمتع فلا يعول عليها لوجهين :
أحدهما : أنه قد اضطرب قوله : فروى nindex.php?page=showalam&ids=15558بكر بن عبد الله عنه : أنه قال : لبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحج وحده .
وثانيهما : أن الرواية التي قال فيها nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعمرة إلى الحج ، قال في أثنائها ما يدل على أنه سمى الإرداف تمتعا . وسيأتي تحقيق ذلك . والذي يظهر لي : أن روايات القران أرجح ; لأن رواتها نقلوا ألفاظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإخباره عن نفسه وعن نيته ، وغيرهم ليس كذلك ، ولأن رواية القران يتأتى الجمع بينها وبين رواية الإفراد : بأن يقال : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مردفا ، فيمكن أن يقال : إن من روى : أنه أفرد ; إنما سمع إحرامه بالحج ، ولم يسمع إردافه بالعمرة . ومن روى : أنه قرن ، حقق الأمرين فنقلهما ، والله أعلم .
وقد استهول بعض القاصرين هذا الخلاف الواقع في إحرامه - صلى الله عليه وسلم - ، وقدره [ ص: 311 ] مطعنا على الشريعة زاعما : أن العادة قاضية بتواتره ، فلا يختلف فيه ، ولم يوجد ذلك إلا بالآحاد ، فيقطع بكذبها . وهذا لا يلتفت إليه . وإن ما تقتضي العادة تواتره تواتر وعلم ، وهو : أنه - صلى الله عليه وسلم - حج وأحرم من ذي الحليفة ، وأنه تمادى في إحرامه إلى أن أكمل مناسك حجه ، وحل من إحرامه عند طواف الإفاضة . وهذا كله معلوم بالنقل المتواتر الذي اشترك الجفلى فيه ; لأنه هو المحسوس لهم . وأما إحرامه فليس من الأمور التي يجب تواترها ; لأنه راجع إلى نيته ، ولا يطلع عليها إلا بالإخبار عنها ، أو بالنظر في الأحوال التي تدل عليها .
ولما كان ذلك ; فمنهم من نقل لفظه ; لأنه سمعه منه في وقت ما ، ومنهم من حدس وسبر ; فأخبر عما وقع له ، وحصل في ظنه . ولذلك قلنا : إن رواية من روى القران أولى ، والله أعلم .