قول أسامة للنبي صلى الله عليه وسلم " أتنزل في دارك " ; ظاهر هذه الإضافة أنها كانت ملكه ، ويدل عليه أيضا قوله " وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور " ، فأضافها [ ص: 465 ] لنفسه ، وظاهرها الملك ، فيكون عقيل اعتدى على دار النبي - صلى الله عليه وسلم - ورباعه فأخذها وتصرف فيها ، كما فعل أبو سفيان بدور من هاجر من المؤمنين . قال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي : إن عقيلا باع ما كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولمن هاجر من بني عبد المطلب . فعلى هذا يكون ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - تحرجا من أن يرجع في شيء أخرج منه لأجل الله تعالى. وقيل : إنه حكم لها بحكم البلد . وقد خرجت عن ملكه لما غنمها المسلمون - كما يقوله nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث في هذه المسألة لا في هذا الحديث. وهذا فيه بعد ; لأنه يكون تعليله - صلى الله عليه وسلم - بأخذ عقيل لها ضائعا ، ويخرج أن يكون جوابا عما سئله . وقيل : كان أصلها لأبي طالب فأسكنه إياها ، فلما مات أبو طالب ورثه عقيل وطالب لكونهما مساويين له في الكفر ، ولم يرثه nindex.php?page=showalam&ids=8علي ولا جعفر لكونهما مسلمين ، فأخذها عقيل لما هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - بحكم ميراثه من أبيه . وعلى هذا فيكون إضافتها إليه مجازية لأنه سكنها فقط ، والقول الأول أولى .
وقد اختلف في مكة ودورها ورباعها ; هل هي مملوكة لأحد فيبيع ويكري ؟ أو لا ملك لأحد على شيء منها؛ فلا يجوز فيها شيء من ذلك ؟ وإلى الأول ذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وبعض السلف ، وإلى الثاني ذهب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، وتوسط nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك فكره ذلك ، وللخلاف سببان :
أحدهما : هل فتح مكة كان عنوة فتكون مغنومة ، لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقسمها وأقرها إلى أهلها ولمن جاء بعدهم ، كما فعل nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بالأرض المغنومة ، فتبقى على ذلك لا تباع ولا تشرى ؟ وبأنها فتحت عنوة - قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، أو كان فتحها صلحا ؟ وإليه ذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . فتبقى ديارهم بأيديهم وفي أملاكهم يتصرفون فيها كيف شاؤوا .
[ ص: 466 ] والسبب الثاني : للنظر في قوله تعالى سواء العاكف فيه والباد [الحج: 25] ; هل الضمير راجع إلى المسجد الحرام أو إلى البلد ؟ والظاهر الأول ، وأن مكة فتحت عنوة ، وأنه - صلى الله عليه وسلم - أمنهم وأقرهم على أموالهم ، وهو الصحيح من الأحاديث ، والله تعالى أعلم . قال أبو عبيد : ولا نعلم مكة يشبهها شيء من البلاد .
قلت : وعلى قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك إنها مغنومة ينبغي أن يكون مذهبه كمذهب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، لكنه راعى الخلاف على أصله في مراعاة الخلاف الظاهر ، ويكون فائدة حكمه بالكراهة أن من باع شيئا منها أو أكراه لا يفسخ عقده ويمضى ، غير أنه لا يسوغ الإقدام عليه ، والله تعالى أعلم .
وقوله " هل ترك لنا عقيل من رباع أو دور ؟ " ، هذا الاستفهام معناه النفي ; أي : ما ترك لنا شيئا من ذلك . واختلف الرواة ; هل كان هذا القول في فتح مكة أو في حجة الوداع ؟ فروي عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري كل ذلك ، ويحتمل أن يكون تكرر هذا السؤال والجواب في الحالتين ، وفيه بعد .