[ ص: 496 ] وقوله " يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه : هلم إلى الرخاء ! " ، هذا منه - صلى الله عليه وسلم - إخبار عن أمر غيب وقع على نحو ما ذكر ، وكان ذلك من أدلة نبوته ، وعنى بذلك أن الأمصار تفتح على المسلمين فتكثر الخيرات وتترادف عليهم الفتوحات ، كما قد اتفق عند فتحالشام والعراق والديار المصرية وغير ذلك ، فركن كثير ممن خرج من الحجاز وبلاد العرب إلى ما وجدوا من الخصب والدعة بتلك البلاد المفتوحة فاتخذوها دارا ودعوا إليهم من كان بالمدينة لشدة العيش بها وضيق الحال ، فلذلك قال صلى الله عليه وسلم : " nindex.php?page=hadith&LINKID=651742والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون " ، وهي خير من حيث تعذر الترفه فيها وعدم الإقبال على الدنيا بها وملازمة ذلك المحل الشريف ومجاورة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ; ففي حياته - صلى الله عليه وسلم - صحبته ورؤية وجهه الكريم ، وبعد وفاته مجاورة جدثه الشريف ومشاهدة آثاره المعظمة ، فطوبى لمن ظفر بشيء من ذلك ، وأحسن الله عزاء من لم ينل شيئا مما هنالك .
وقوله " لا يخرج أحد رغبة عنها إلا أخلف الله فيها خيرا منه " ; يعني أن [ ص: 497 ] الذي يخرج من المدينة راغبا عنها - أي زاهدا فيها - إنما هو إما جاهل بفضلها وفضل المقام فيها أو كافر بذلك ، وكل واحد من هذين إذا خرج منها فمن بقي من المسلمين خير منه وأفضل على كل حال ، وقد قضى الله تعالى بأن مكة والمدينة لا تخلوان من أهل العلم والفضل والدين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، فهم الخلف ممن خرج رغبة عنها .
وقوله " إن المدينة كالكير تخرج الخبث " ، هذا تشبيه واقع ; لأن الكير لشدة نفخه ينفي عن النار السخام والدخان والرماد ، حتى لا يبقى إلا خالص الجمر والنار ، هذا إن أراد بالكير النفخ الذي تنفخ به النار ، وإن أراد به الموضع المشتمل على النار وهو المعروف عند أهل اللغة فيكون معناه أن ذلك الموضع لشدة حرارته ينزع خبث الحديد والذهب والفضة ، ويخرج خلاصة ذلك ، والمدينة كذلك لما فيها من شدة العيش وضيق الحال تخلص النفس من شهواتها وشرهها وميلها إلى اللذات والمستحسنات ، فتتزكى النفس عن أدرانها وتبقى خلاصتها ، فيظهر سر جوهرها وتعم بركاتها ، ولذلك قال في الرواية الأخرى " nindex.php?page=hadith&LINKID=656777تنفي خبثها وينصع طيبها " .