قوله " صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة في غيره من المساجد ، إلا المسجد الحرام " ، اختلف في استثناء المسجد الحرام ; هل ذلك لأن المسجد [ ص: 505 ] الحرام أفضل من مسجده صلى الله عليه وسلم ؟ أو هو لأن المسجد الحرام أفضل من سائر المساجد غير مسجده صلى الله عليه وسلم فإنه أفضل المساجد كلها؟ وانجر مع هذا الخلاف الخلاف في أي البلدين أفضل ; مكة أو المدينة ؟ فذهب nindex.php?page=showalam&ids=2عمر وبعض الصحابة nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك وأكثر المدنيين إلى تفضيل المدينة ، وحملوا الاستثناء على تفضيل الصلاة في مسجد المدينة بألف صلاة على سائر المساجد إلا المسجد الحرام فبأقل من الألف ، واحتجوا بما قال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه : صلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة فيما سواه - ولا يقول عمر هذا من تلقاء نفسه ولا من اجتهاده ; إذ لا يتوصل إلى ذلك بالاجتهاد ، فعلى هذا تكون فضيلة مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسجد الحرام بتسعمائة وعلى غيره بألف .
وذهب الكوفيون والمكيون nindex.php?page=showalam&ids=16472وابن وهب nindex.php?page=showalam&ids=13055وابن حبيب من أصحابنا إلى تفضيل مسجد مكة ، واحتجوا بما زاده nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ وغيره في هذا الحديث من رواية nindex.php?page=showalam&ids=16414عبد الله بن الزبير بعد قوله: " إلا المسجد الحرام " ، قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=677909وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة " .
قلت : وقد روى هذا الحديث عبد بن حميد وقال فيه " بمائة ألف صلاة " ، وهذه زيادات منكرة لم تشتهر عند الحفاظ ولا خرجها أهل الصحيح ، والمشهور المعلوم الحديث من غير هذه الزيادات فلا يعول عليها ، وينبغي أن يجرد النظر إلى الحديث المشهور وإلى لفظه . ولا شك أن المسجد الحرام [ ص: 506 ] مستثنى من قوله " من المساجد " ، وهي بالاتفاق مفضولة ، والمستثنى من المفضول مفضول إذا سكت عليه ، فالمسجد الحرام مفضول ، لكن لا يقال إنه مفضول بألف لأنه قد استثناه منها ، فلا بد أن يكون له مزية على غيره من المساجد ، لكن ما هي ؟ لم يعينها الشرع فيتوقف فيها ، أو يعتمد على قول nindex.php?page=showalam&ids=2عمر آنفا . ويدل على صحة ما قلناه زيادة عبد الله بن قارظ بعد قوله " إلا المسجد الحرام " : " فإني آخر الأنبياء ، ومسجدي آخر المساجد " ، فربط الكلام بفاء التعليل مشعرا بأن مسجده إنما فضل على المساجد كلها لأنه متأخر عنها ومنسوب إلى نبي متأخر عن الأنبياء كلهم في الزمان ، فتدبره فإنه واضح.