قوله : ( لا تتمنوا لقاء العدو ) ; قيل : إن فائدة هذا النهي ألا يستخف أمر العدو ، فيتساهل في الاستعداد له ، والتحرز منه ، وهذا لما فيه من المكاره ، والمحن ، والنكال ، ولذلك قال متصلا به : ( واسألوا الله العافية ) . وقيل : لما يخاف من إدالة العدو ، وظفره بالمسلمين . وقد ذكر في هذا الحديث : (فإنهم يظفرون كما تنصرون) . وقيل : لما يؤدي إليه من إذهاب حياة النفوس التي يزيد بها المؤمن خيرا ، ويرجى للكافر فيها أن يراجع . وكل ذلك محتمل . والله تعالى أعلم .
ولا يقال : فلقاء العدو وقتاله طاعة يحصل منه إما الظفر بالعدو ، وإما الشهادة ، فكيف ينهى عنه ؟ وقد حض الشرع على تمني الشهادة ، ورغب فيه ، فقال : nindex.php?page=hadith&LINKID=663947 (من سأل الله الشهادة صادقا من قلبه ، بلغه الله منازل الشهداء ، وإن مات على فراشه) ؟! لأنا نقول : لقاء العدو وإن كان جهادا وطاعة ومحصلا لأحد الأمرين ، فلم ينه عن تمنيه من هذه الجهات ، وإنما نهي عنه من جهات تلك الاحتمالات [ ص: 524 ] المتقدمة ، ثم هو ابتلاء ، وامتحان لا يعرف عما تسفر عاقبته ، وقد لا تحصل فيه لا غنيمة ولا شهادة ، بل ضد ذلك . وتحريره : أن تمني لقاء العدو المنهي عنه غير تمني الشهادة المرغب فيه ; لأنه قد يحصل اللقاء ولا تحصل الشهادة ، ولا الغنيمة ، فانفصلا .
وقد فهم بعض العلماء من هذا الحديث كراهة المبارزة . وبها قال الحسن ، وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه أنه قال : (يا بني ! لا تدع أحدا إلى المبارزة ، ومن دعاك إليها فاخرج إليه ، فإنه باغ ، وقد ضمن الله نصر من بغي عليه) . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : أجمع كل من أحفظ عنه على جواز المبارزة ، والدعوة إليها ، وشرط بعضهم فيها إذن الإمام ; وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، وإسحاق . ولم يشترطه غيرهم . وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي . واختلفوا ، هل يعين المبارز غيره أم لا؟ على قولين .
وقوله : (إنه - صلى الله عليه وسلم - كان ينتظر حتى إذا مالت الشمس ) ; يعني : أنه كان يؤخر القتال عن الهاجرة إلى أن تميل الشمس ليبرد الوقت على المقاتلة ، ويخف عليهم حمل السلاح ، التي يؤلم حملها في شدة الهاجرة ; ولأن ذلك الوقت وقت الصلاة ، وهو مظنة إجابة الدعاء . وقيل : بل كان يفعل ذلك لانتظار هبوب ريح النصر التي نصر بها ، كما قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=650977 (نصرت بالصبا) ، وفي حديث آخر ; أنه - صلى الله عليه وسلم - كان ينتظر حتى تزول الشمس ، وتهب رياح النصر .