( الجولة ) : الاضطراب . ويعني به : انهزام المنهزمة يوم حنين على ما يأتي .
و ( حبل العاتق ) : هو موصل ما بين العنق والكاهل . وقيل : هو حبل الوريد . والوريد : عرق بين الحلقوم والعلباوين .
وقوله : ( فضمني ضمة وجدت فيها ريح الموت ) ; أي : ضمة شديدة أشرف [ ص: 541 ] بسببها على الموت . وهي استعارة حسنة . وأصلها : أن من قرب من الشيء وجد ريحه .
وقوله : ( وجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه ) ; دليل : على أن هذا القول منه - صلى الله عليه وسلم - كان بعد أن برد القتال ، وأما قبل القتال فيكره nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك للإمام أن يقول مثل ذلك ; لئلا تفسد نية المجاهدين . وهل قال - صلى الله عليه وسلم - ذلك القول مقعدا لقاعدة تمليك السلب للقاتل ، ومبينا لحكم الله تعالى في ذلك دائما ، وفي كل واقعة ؟ وإليه صار nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، وإسحاق ، nindex.php?page=showalam&ids=16935والطبري ، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ، قالوا : السلب للقاتل ، قاله الإمام أو لم يقله ، غير أن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي -رحمه الله- اشترط في ذلك : أن يقتله مقبلا . واشترط nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي أن يكون ذلك قبل التحام الحرب .
أو قاله - صلى الله عليه وسلم - على جهة أن يبين : أن للإمام أن يفعل ذلك إذا رآه مصلحة ؟ وإلى هذا ذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة ، فقالا : إن السلب ليس بحق للقاتل ، وإنه من الغنيمة إلا أن يجعل الأمير ذلك له .
فأما الطائفة الأولى : فتمسكت بظاهر الحديث المتقدم ، وقصر nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عموم قوله : ( من قتل قتيلا ) على نحو ما وقع nindex.php?page=showalam&ids=60لأبي قتادة ; فإنه قتل الكافر مقبلا ، ولذلك ضمه الضمة الشديدة ، وليس nindex.php?page=showalam&ids=13760للأوزاعي على ما اشترط حجة من الحديث ، بل هو حجة عليه ; فإنه - صلى الله عليه وسلم - إنما قال ذلك بعد فراغ القتال .
وأما الطائفة الثانية : فإنهم ردوا ظاهر ذلك الحديث لما يعارضه ، وهو قوله تعالى : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه [الأنفال: 41] فأضاف أربعة [ ص: 542 ] أخماس الغنيمة للغانمين ، ولا يصلح قوله : ( من قتل قتيلا فله سلبه ) للتخصيص ، للاحتمال الذي أبديناه . ومما تمسكوا به قضية أبي جهل الآتية بعد هذا ، وذلك : أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لابني عفراء : (كلاكما قتله) ، ثم قضى بسلبه لأحدهما ، وهي نص في المقصود ، لا يقال : إن قضية أبي جهل متقدمة وقضية nindex.php?page=showalam&ids=60أبي قتادة متأخرة ، فتكون ناسخة ; لأنا لا نسلم التعارض لإمكان الجمع بين القضيتين ; لأن ذلك رأي رآه فيهما ، فاختلف الحال بحسب اختلاف الاجتهاد . والله تعالى أعلم .
ومما يعتضد به هؤلاء : أنه لو كان قوله : من قتل قتيلا فله سلبه ) مقعدا للقاعدة ، ومبينا لها ; لكان ذلك أمرا معمولا به عند الصحابة ، وخصوصا الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم ، فإنهم كانوا حضورا في ذلك الموطن ، وقد انقرضت أعصارهم ، ولم يحكموا : بأن السلب للقاتل مطلقا ، على ما حكاه ابن أبي زيد في "مختصره". هذا مع كثرة وقائعهم في العدو ، وغنائمهم ، وعموم الحاجة إلى ذلك . فلما لم يكن ذلك كذلك ; صح أن يقال : إن ذلك موكول لرأي الإمام . والله تعالى أعلم .
تفريع : لا شك في أن من كان مذهبه : أن السلب للقاتل : أنه لا يخمسه ، وإنما يملكه بنفس القتل المشهود عليه ، وأما من صار إلى : أن ذلك للإمام يرى فيه رأيه ، فاختلفوا ; هل يخمس أو لا يخمس ؟ فقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، nindex.php?page=showalam&ids=17134ومكحول : يخمس . وقاله إسحاق إذا كثر . ونحوه عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، وحكى ابن خواز منداذ عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : أن الإمام مخير في ذلك كله. قاله القاضي إسماعيل .
ثم اختلفوا في السلب الذي يستحقه القاتل . فذهب nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ، nindex.php?page=showalam&ids=13055وابن حبيب من أصحابنا إلى أنه فرسه الذي ركبه ، وكل شيء كان عليه من لبوس ، وسلاح ، وآلة ، وحلية له ولفرسه . غير أن nindex.php?page=showalam&ids=13055ابن حبيب قال : إن المنطقة التي فيها دنانير [ ص: 543 ] ودراهم نفقة داخلة في السلب . ولم ير ذلك nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي . وقد عمل بقولهما جماعة من الصحابة . ونحوه مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، غير أنه تردد في السوارين ، والحلية ، وما في معناهما من غير حلية الحرب .
وذهب nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس إلى أنه : الفرس ، والسلاح ، وهو معنى مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك . وشذ nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، فلم ير الفرس من السلب ، ووقــف في السيف . nindex.php?page=showalam&ids=13790وللشافعي قولان فيما وجد في عسكر العدو من أموال المقتول ; هل هو من سلبه أم لا ؟ والصحيح : العموم فيما كان معه ، تمسكا بالعموم . والله تعالى أعلم .
وقوله : ( له عليه بينة ) ; قال بظاهره nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وبعض أصحاب الحديث ، فلا يستحق القاتل السلب إلا بالبينة ، أو بشاهد ويمين. وقال nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث : ليست البينة شرطا في الاستحقاق ، بل إن اتفق ذلك فهو الأولى دفعا للمنازعة ، وإن لم يتفق كان للقاتل بغير بينة ، ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى nindex.php?page=showalam&ids=60أبا قتادة سلب مقتوله من غير شهادة ، ولا يمين . ولا يكفي شهادة واحد ، ولا يناط بها حكم بمجردها ، لا يقال : إنما أعطاه إياه بشهادة الذي هو في يده ، وشهادة nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر ; لأن nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر رضي الله عنه لم يقم شهادة nindex.php?page=showalam&ids=60لأبي قتادة ، وإنما منع أن يدفع السلب للذي ذكر أنه في يده ، ويمنع منه nindex.php?page=showalam&ids=60أبو قتادة . ويخرج على أصول المالكية في هذه المسألة ، ومن قال بقولها : أنه لا يحتاج الإمام فيه إلى بينة ; لأنه من الإمام ابتداء عطية . فإن شرط فيه الشهادة كان له ، وإن لم يشترط ، جاز أن يعطيه من غير شهادة . والله تعالى أعلم .
[ ص: 544 ] وقوله : ( فأرضه من حقه يا رسول الله !) أي : أعطه ما يرضى به بدلا من حقه في السلب . فكأنه سأل من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتركه له ، ويعطي nindex.php?page=showalam&ids=60أبا قتادة من غيره ما يرضى به .
وقول nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر : ( لا ها الله إذا ) ; الرواية هكذا (إذا) بالتنوين . قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : والصواب فيه : (لا ها الله ذا) بغير ألف قبل الذال . ومعناه في كلامهم : لا والله . يجعلون (الها) مكان (الواو) . والمعنى : لا والله لا يكون ذا . قال nindex.php?page=showalam&ids=15140المازري : معناه : ذا يميني ، وذا قسمي . وقال أبو زيد : (ذا) صلة في الكلام .
وقوله : ( فبعت الدرع ، فاشتريت به مخرفا ) ، قال القاضي أبو الفضل : رويناه بفتح الميم ، وكسرها . فمن كسره جعله مثل : مربد . ومن فتح جعله مثل : مضرب .
والمخرف : البستان الذي تخترف ثماره ; أي : تجتنى. فأما المخرف - بكسر الميم - فهو : الوعاء الذي يجمع فيه ما يخترف .
و (تأثلت المال) : تملكته ، فجعلته أصل مالي . وأثلة كل شيء : أصله.
وقوله : ( كلا ، لا نعطيه أضيبع من قريش ) ; كلا : ردع ، وزجر. وقد تكون بمعنى : لا ; كقوله تعالى حكاية عن موسى عليه الصلاة والسلام : كلا [ ص: 545 ] في جواب قولهم : إنا لمدركون [الشعراء: 61] وقد يكون استفتاحا بمعنى : ألا ; كما قيل في قوله تعالى : كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين [المطففين: 18] و (أضيبع) روايتنا فيه - وهي المشهورة - بالضاد المعجمة ، والعين المهملة ; وهو تصغير ضبع على غير القياس . فكأنه لما وصف الآخر بالأسدية ، صغر هذا بالنسبة إليه ، وشبهه بالضبع تصغيرا له. ورواه السمرقندي : (أصيبغ) بالصاد المهملة ، والغين المعجمة ، فقيل : كأنه حقره ، وذمه لسواد لونه . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : الأصيبغ نوع من الطير . قال : ويجوز أن يشبهه بنبات صغير ، يقال له : الصبغاء ، أول ما تطلع من الأرض فيكون ما يلي الشمس منه أصفر . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12002الهروي بمعناه.
ومبادرة nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر بالفتيا والردع والنهي بحضرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك ، وتصديقه على قوله ، شرف عظيم ، وخصوصية لأبي بكر رضي الله عنه ليس لأحد من الصحابة مثلها ، هذا مع أنه قد كان عدد من الصحابة نحو الأربعة عشر يفتون في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يعلم بهم ، ويقرهم ، لكن لم يسمع عن أحد منهم أنه أفتى بحضرته ، ولا صدر عنه شيء مما صدر عن nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر في هذه القضية.