قوله : ( تمنيت لو كنت بين أضلع منهما ) ; كذا الرواية ، بالضاد المعجمة ، والعين المهملة ، ووقع في بعض روايات nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : (أصلح) بالحاء ، والصاد ، مهملتين ، من الصلاح ، والأول أصوب . ومعنى (أضلع) : أقوى ، والضلاعة : [ ص: 548 ] القوة . ومنه قولهم : هل يدرك الظالع شأو الضليع - بالضاد - ; أي : القوي ، والظالع - بالظاء المشالة - : هو الذي أصابه الظلع ، وهو ألم يأخذ الدابة في بعض قوائمها . وكأنه استضعفهما لصغر أسنانهما.
وقوله : ( لا يفارق سوادي سواده ) ; أي : شخصي شخصه . وأصله : أن الشخص يرى على البعد أسود . والله تعالى أعلم .
وقوله : ( حتى يموت الأعجل منا ) ; أي : الأقرب أجلا ، وهو كلام مستعمل يفهم منه : أنه يلازمه ، ولا يتركه إلى وقوع الموت بأحدهما . وصدور مثل هذا الكلام في حالة الغضب والانزعاج يدل على صحة العقل ، وثبوت الفهم ، والتثبت العظيم في النظر في العواقب ; فإن مقتضى الغضب أن يقول : حتى أقتله ; لكن العاقبة مجهولة .
وقوله : ( فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يزول في الناس ) ; معنى لم أنشب : لم أشتغل بشيء . وهو من : نشب بالشيء ; إذا دخل فيه ، وتعلق به . و (يزول) ; أي : يجول ويضطرب في المواضع ، ولا يستقر على حال . وهو فعل من يعبئ الناس ، ويحرضهم . أو فعل من أخذه الزويل ، وهو : الفزع والقلق . والأول أولى ; لرواية nindex.php?page=showalam&ids=13486ابن ماهان لهذا الحرف : (يجول) بالجيم .
[ ص: 549 ] وقوله : ( هل مسحتما سيفيكما ؟ قالا : لا ، فنظر في السيفين فقال : كلاكما قتله ) ; هذا يدل على: أن للإمام أن ينظر في شواهد الأحوال ليترجح عنده قول أحد المتداعيين ، وذلك أن سؤاله عن مسح السيفين إنما كان لينظر إن كان تعلق بأحدهما من أثر الطعام أو الدم ما لم يتعلق بالآخر ، فيقضي له ، فلما رأى تساوي سيفيهما في ذلك قال : ( كلاكما قتله ) ، ومع ذلك فقضى بالسلب لأحدهما ، فكان ذلك أدل دليل على صحة ما قدمناه من مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة . وقد اعتذر المخالفون عن هذا الحديث بأوجه :
منها : أن هذا منسوخ بما قاله يوم حنين . وهو فاسد لوجهين :
أحدهما : أن الجمع بينهما ممكن . كما قدمناه ، فلا نسخ .
والثاني : أنه قد روى أهل السير وغيرهم : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم بدر : ( من قتل قتيلا فله سلبه ) ; كما قال يوم حنين . وغايته : أن يكون من باب تخصيص العموم على ما قلناه .
ومنها : أن بعض الشافعية قال : إنما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك ; لأنه استطاب نفس أحدهما . وهذا كلام غير محصل ، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لا يستطيب الأنفس بما لا يحل . ثم كيف يستطيب نفس هذا بإفساد قلب الآخر ؟ هذا مما لا يليق بذوي المروءات ، فكيف بخاتم النبوات ؟!
ومنها : أنه لعله أن يكون رأى على سيف أحدهما من الأثر ما لم ير على الآخر ، فأعطاه السلب لذلك ، وقال : ( كلاكما قتله ) تطييبا لقلب الآخر. وهذا [ ص: 550 ] يبطله قوله : ( كلاكما قتله ) . والقتل هو السبب عند القائل . وظاهره التسوية في القتل ; فإن القائل إذا قال لمخاطبيه : كلاكما قال ، أو كلاكما خرج ، فظاهره المشاركة فيما نسب إليهما . ثم يلزم هذا القائل أن يجوز على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التورية في الأحكام . والقول بذلك باطل ، وحرام .
وقوله : ( والرجلان : nindex.php?page=showalam&ids=151معاذ بن عمرو بن الجموح ، nindex.php?page=showalam&ids=178ومعاذ بن عفراء ) ; هكذا الصحيح ، وقد جاء في nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : nindex.php?page=hadith&LINKID=693837أن ابني عفراء ضرباه حتى برك . وكأن هذا وهم من بعض الرواة لحديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود . وسبب هذا الوهم : أن عفراء هذه من بني النجار ، أسلمت وبايعت ، وكان أولادها سبعة ، كلهم شهد بدرا ، وكانت عند الحارث بن رفاعة ، فولدت له : nindex.php?page=showalam&ids=32معاذا ، ومعوذا ، ثم طلقها ، فتزوجها بكير بن عبد ياليل ، فولدت له : خالدا ، nindex.php?page=showalam&ids=12444وإياسا ، وعاقلا ، وعامرا ، ثم راجعها الحارث ، فولدت له عوفا ، فشهدوا كلهم بدرا . فكأنه التبس على بعض الرواة nindex.php?page=showalam&ids=151معاذ بن عمرو بن الجموح بمعاذ بن عفراء وبمعوذ بن عفراء عند السكوت عن ذكر عمرو والد nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ . والله تعالى أعلم .
وفي nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم : أن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود هو الذي أجهز على أبي جهل [ ص: 551 ] واحتز رأسه بعد أن جرى له معه كلام سيأتي إن شاء الله تعالى .