رواه أحمد ( 2 \ 317 ) ومسلم (1756)، وأبو داود (3036).
(10) ومن باب: ما يخمس من الغنيمة وما لا يخمس
قوله : ( أيما قرية أتيتموها ، وأقمتم فيها ، فسهمكم فيها ) ; يعني بذلك - والله أعلم - : أن ما أجلي عنه العدو ، أو صولحوا عليه ، وحصل بأيدي المسلمين من غير قتال ، فمن أقام فيه كان له سهم من العطاء . وليس المراد بالسهم هنا : أنها تخمس ، فتقسم سهاما ; لأن هذا هو حكم القسم الآخر الذي ذكره بعد هذا ، حيث قال : ( وأيما قرية عصت الله ورسوله فإن خمسها لله ورسوله ، ثم هي لكم ) . تقسم أخماسا ، فيكون الخمس لله ورسوله ، وأربعة أخماسها لكم . يخاطب بذلك الغانمين . وهذا كما قال تعالى : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول الآية [الأنفال: 41]. ولم يختلف العلماء في أن أربعة أخماس [ ص: 556 ] الغنيمة تقسم بين الغانمين . وأعني بالغنيمة ما عدا الأرضين ، فإن فيها خلافا يذكر إن شاء الله تعالى .
وأما الأسرى ففيهم الخلاف المتقدم . وأما الخمس والفيء : فهل يقسم في أصناف ، أو لا يقسم ؟ وإنما هو موكول إلى نظر الإمام واجتهاده ، فيأخذ منه حاجته من غير تقدير ، ويعطي القرابة منه باجتهاده ، ويصرف الباقي في مصالح المسلمين . وهذا هو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، وبه قال الخلفاء الأربعة ، وبه عملوا ، وعليه يدل قوله - صلى الله عليه وسلم - : (ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس) ، فإنه لم يقسمه أخماسا ، ولا أثلاثا . وأما من قال : بأنه يقسم فقد اختلفوا ، فمنهم من قال : يقسم على ستة أسهم : سهم لله ، وسهم للرسول ، وهكذا بقية الأصناف المذكورة في الآية . ثم منهم من قال : إن سهم الله يدفع للكعبة . وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس ، nindex.php?page=showalam&ids=11873وأبو العالية . ومنهم من قال : للمحتاج . وأما سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان له في حياته ، ثم هو للخليفة بعده . وقيل : يصرف في مصلحة الغزاة . وقيل : يرد على القرابة . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : يقسم على خمسة . ورأى : أن سهم الله ورسوله واحد . ثم إنه يصرف في مصالح المسلمين. والأربعة الأخماس على الأربعة الأصناف المذكورين في الآية . وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : يقسم على ثلاثة أسهم : سهم لليتامى ، وسهم لابن السبيل ، وسهم للمساكين ، فأما سهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وسهم القرابة ، فقد سقط ; لأنه إنما كان لهم لغنائهم ونصرتهم ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يأخذه لنبوته. وأما ذكر الله في أول الآية : فهو على جهة التشريف لنبيه - صلى الله عليه وسلم - لئلا يأنف من الأخذ . هذا نقل حذاق المصنفين.
قلت : ولا شك في أن الآية ظاهرة في قسمة الخمس على ستة ، ولولا [ ص: 557 ] ما استدل به nindex.php?page=showalam&ids=16867لمالك من عمل الخلفاء على خلاف ظاهرها ، لكان الأولى التمسك بظاهرها ، لكنهم -رضي الله عنهم- هم أعرف بالمقال ، وأقعد بالحال ، لا سيما مع تكرار هذا الحكم عليهم ، وكثرته فيهم . فإنهم لم يزالوا آخذين للغنائم ، قاسمين لها طوال مدتهم ; إذ هي عيشهم ، ومنها رزقهم ، وبها قام أمرهم ; فكيف يخفى عليهم أمرها ، أو يشذ عنهم حكم من أحكامها ؟ هذا ما لا يظنه بهم من يعرفهم .