[ ص: 590 ] (16) ومن باب: إذا نزل العدو على حكم الإمام فله أن يرد الحكم إلى غيره
( ابن العرقة ) - بالعين المهملة ، وكسر الراء- هي رواية الحفاظ ، وضبط المتقنين ، واسمه : حبان- بكسر الحاء- ابن أبي قيس بن علقمة بن عبد مناف . والعرقة : أمه ، واسمها : قلابة- بكسر القاف ، والباء بواحدة- بنت سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص . وقيل : اسمه : جبار بن قيس ، أحد بني العرقة . قال nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : والأول أصح . وقيل : العرقة - بفتح الراء- قاله nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي . وقال : إن أهل مكة يقولونه كذلك ، والأول أصح ، وأشهر .
والأكحل : عرق معروف . قال nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي : إذا قطع في اليد لم يرقأ الدم ، وهو عرق الحياة ، في كل عضو منه شعبة لها اسم .
وقوله : ( فضرب عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيمة في المسجد ، يعوده من قريب ) ; هذا نص على أن سعدا كان مقيما في المسجد في هذه الحالة ، وقد ذكر في هذا الحديث بعد هذا : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أرسل إليه ، فأتاه ، فلما دنا قريبا من المسجد ، [ ص: 591 ] قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (قوموا إلى سيدكم) ، وظاهره : أنه كان خارجا عن المسجد ، وأنه أتى إليه . وهذا إشكال أوجبه اعتقاد اتخاذ المسجد في الموضعين ، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان قد استدعى سعدا لمسجده في المدينة ، وليس الأمر كذلك ، بل كان نازلا على بني قريظة ، ومنها وجه إليه ، فيحتمل أن يكون سعدا اختط هنالك مسجدا يصلي فيه ، فعبر الراوي عنه . وقال بعض علمائنا : المسجد هنا تصحيف من بعض الرواة ، وإنما اللفظ : فلما دنا من النبي -صلى الله عليه وسلم- ، بدليل ما جاء في كتاب nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود : فلما دنا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فكأن الراوي سمع : من النبي -صلى الله عليه وسلم- فتصحف عليه . والله تعالى أعلم .
وقوله : ( فلما رجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الخندق وضع السلاح ، فاغتسل ، فأتاه جبريل عليه السلام) هكذا وقع في الرواية : فأتاه- بالفاء- والصواب : طرحها ; فإنه جواب لما ، ولا تدخل الفاء في جواب لما ، وكأنها زائدة ، كما زيدت الواو في جوابها في قول امرئ القيس :
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى بنا بطن حقــف ذي ركام عقنقل
وإنما هو : انتحى ، فزاد الواو .
وقوله : ( فقاتلهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنزلوا على حكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فرد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحكم فيهم إلى سعد ) ; هذا تفسير ، فينبغي أن يحمل عليه ما ليس [ ص: 592 ] بمفسر مما في الرواية الأخرى : أنهم نزلوا على حكم سعد ، فإنهم إنما نزلوا على حكمه بعد أن حكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيهم . ومن هذا الموضع يؤخذ الحكم الذي أشرنا إليه في الترجمة ، وفيه رد على الخوارج المانعين للتحكيم في الدين ، ولم يصر أحد من علماء الصحابة ، ولا غيرهم إلى منعه سوى الخوارج .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض : والنزول على حكم الإمام أو غيره جائز ، ولهم الرجوع عنه ما لم يحكم ، فإذا حكم لم يكن للعدو الرجوع ، ولهم أن ينقلوا من حكم رجل إلى غيره . وهذا كله إذا كان الحكم ممن يجوز تحكيمه من أهل العلم ، والفقه ، والديانة ، فإذا حكم لم يكن للمسلمين ، ولا للإمام المجيز لتحكيمهم نقض حكمه ، إذا حكم بما هو نظر للمسلمين من قتل ، أو سباء ، أو إقرار على الجزية ، أو إجلاء . فإن حكم بغير هذا من الوجوه التي لا يبيحها الشرع لم ينفذ حكمه ، لا على المسلمين ، ولا على غيرهم .