وقوله في الرواية الأخرى لعلي : (اكتب : من محمد بن عبد الله ) ; ليس معارضا للرواية التي تقدم ذكرها ; إذ ليس فيها : أن nindex.php?page=showalam&ids=8عليا كتب بيده ، وإنما فيها : أنه -صلى الله عليه وسلم- أمره بالكتابة كما أمره بالمحو ، فلم يمح nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، ولم يكتب ، فلما امتنع nindex.php?page=showalam&ids=8علي منهما جميعا للوجه الذي ذكرناه ، قال له -صلى الله عليه وسلم- : ( أرني مكانها ) ; فأراه إياه ، فمحاه النبي - صلى الله عليه وسلم- ، وكتب بيده ، على ما تقرر من المذهب الأول . وعليه تجتمع الروايات المختلفة .
وقوله : ( فاشترطوا عليه : أن من جاء منكم لم نرده ، ومن جاء منا رددتموه علينا ) ; لا خلاف بين الرواة والمتأولين : أن الرجال داخلون في هذا اللفظ العام ، واختلفوا : هل دخل فيهم النساء ؟ فمنهم من منع ذلك ، واستدل بما جاء في nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في كتاب : الشروط ، في هذا الحديث ، وهو أنه قال : ولا يأتيك منا رجل [ ص: 639 ] على دينك إلا رددته إلينا . وهذا نص ، وعلى هذا : فلا يحتاج إلى اعتذار عن حبس النبي -صلى الله عليه وسلم- النساء اللاتي أسلمن وهاجرن إلى المدينة . ولا أن نقول في قوله تعالى : فلا ترجعوهن إلى الكفار [الممتحنة: 10] أنه ناسخ . والأكثر على أنهن دخلن في ذلك العموم . وقد روي أن سبيعة بنت الحارث الأسلمي جاء زوجها صيفي يطلبها ، وكانت أسلمت ، وهاجرت . وكذلك nindex.php?page=showalam&ids=11720أم كلثوم بنت عقبة ، فجاء زوجها : مسافر يطلبها بالشرط ، فأنزل الله تعالى الآية في النهي عن ردهن ، ورأوا : أن هذه الآية ناسخة لما تقرر بالشرط المتقدم ; الذي هو : ردهن إلى الكفار . والطريقة الأولى أحسن ، وأبعد عن الإشكال ; إذ لم يدخلن في الشرط .
ثم اختلفوا : فيما إذا صولح العدو على مثل هذا الشرط . فذهب الكوفيون : إلى أن ذلك لا يجوز ; لا في الرجال ولا في النساء . ورأوا : أن كل ذلك منسوخ.
ونحوه حكى مكي في "الناسخ والمنسوخ" له عن المذهب . وذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في المشهور عنه ، وحكي عن أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي جواز ذلك ، ولزومه في الرجال دون النساء ، لكن بشرط أن يكونوا مأمونين على دمه .
وقيل : إنما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك لضعف المسلمين عن مقاومة عدوهم في ذلك الوقت ، وذلك لأنه إنما رد من رد ممن جاء مسلما لآبائهم ، وذوي أرحامهم ; لعطفهم عليهم ، ولحبهم فيهم ، ولصحة إسلام من أسلم منهم ، وللذي علمه النبي -صلى الله عليه وسلم- من حال من رد : أنه سيجعل الله له فرجا ومخرجا ، وكذلك كان . وكل هذه الأمور معدومة في حق غيره -صلى الله عليه وسلم- ، فلا يحتج بتلك القضية على جواز ذلك . والله تعالى أعلم .