( السقاية ) : مصدر كالسعاية والحماية ، وهو على الحذف ; أي : أجعلتم صاحب سقاية الحاج مثل من آمن بالله ، وجاهد في سبيله ; ويصح أن يقدر الحذف في : (من آمن) ; أي : أجعلتم عمل سقي الحاج كعمل من آمن؟ . و ( الحاج ) : اسم جنس الحجاج . و ( عمارة المسجد الحرام ) : معاهدته ، والقيام بمصالحه .
وظاهر هذه الآية أنها مبطلة قول من افتخر من المشركين بسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ، كما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي . قال : افتخر عباس بالسقاية ، وشيبة بالعمارة ، nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي بالإسلام والجهاد ، فصدق الله nindex.php?page=showalam&ids=8عليا وكذبهما ، وهذا واضح . وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=114النعمان هذا فمشكل على مساق الآية ، فإنه يقتضي أنها إنما نزلت عند اختلاف المسلمين في الأفضل من هذه الأعمال ، وحينئذ لا يصلح أن يكون قوله تعالى : أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله [التوبة: 19] ; نزل جوابا لذلك ، فإن أولئك [ ص: 721 ] المسلمين لم يختلفوا في أن الإيمان مع الجهاد أفضل من مجرد السقاية والعمارة ، وإنما اختلفوا في أي الأعمال أفضل بعد الإسلام ، وقد نصوا على ذلك في الحديث . وأيضا : فلا يليق أن يقال لهم في هذا الذي اختلفوا فيه : والله لا يهدي القوم الظالمين كما قال في آخر الآية . وأيضا : فإن الآيات التي قبل هذه الآية من قوله تعالى : ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله [التوبة: 17 - 18] تدل على أن الخطاب مع المشركين ، فتعين الإشكال ، فلينظر في التخلص منه . ويمكن أن يتخلص منه بأن يقال : إن بعض الرواة تسامح في قوله : فأنزل الله الآية . وإنما قرأ النبي -صلى الله عليه وسلم- على nindex.php?page=showalam&ids=2عمر الآية حين سأله ، فظن الراوي أنها نزلت حينئذ ، وإنما استدل بها النبي -صلى الله عليه وسلم- على أن الجهاد أفضل مما قال أولئك الذين سمعهم nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، فاستفتى لهم ، فتلا عليه ما كان قد أنزل عليه في المشركين ، لا أنها نزلت في هؤلاء . فيبقى أن يقال : فكيف يستدل بما أنزل في المشركين في حالة مخصوصة على مثل ذلك المعنى في المسلمين ، وهم مخالفون لهم في تلك الحال ؟
والجواب : أن هذا لا بعد فيه. فقد تنتزع مما أنزل في المشركين أحكام تليق في المسلمين ، كما قد فعله nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، حيث قال : أما إنا لو شئنا لاتخذنا سلائق وشواء وتوضع صحفة ، وترفع أخرى ، ولكنا سمعنا قوله تعالى : أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها [الأحقاف: 20] وهذه الآية نص في أنها للكفار ، ومع ذلك ففهم nindex.php?page=showalam&ids=2عمر منها الزجر عما يناسب أحوالهم بعض المناسبة ، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ، فيمكن أن تكون هذه الآية من هذا النوع ، والله تعالى أعلم .