وفي رواية: فقال عليه الصلاة والسلام: "إنا والله لا نولي على هذا العمل أحدا سأله ولا أحدا حرص عليه".
رواه البخاري (4341 و 4342)، ومسلم (1733) في الإمارة (14 و 15)، وأبو داود (4354 - 4357)، والنسائي ( 1 \ 10 ).
[ ص: 17 ] وقوله صلى الله عليه وسلم: " ما تقول يا nindex.php?page=showalam&ids=110أبا موسى ؟ " استفهام استعلام عما عنده من إرادته العمل، أو من معونته لهما على استدعائهما العمل، فأجابه بما يقتضي: أنه لم يكن عنده إرادة ذلك ولا خبر من إرادة الرجلين. فلما تحقق النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولاه العمل إذ لم يسأله ولا حرص عليه، ومنعه الرجلين لحرصهما وسؤالهما على ما تقرر آنفا: من أن الحريص عليها مخذول، والكاره لها معان.
ومما جرى من الكلام بهذا المعنى مجرى المثل: الحرص على الأمانة دليل الخيانة.
و " قلصت شفته " تقبضت وقصرت، وكأن السواك كان فيه قبض، أو يكون النبي صلى الله عليه وسلم قبض شفته ليتمكن من تسويك أسنانه.
وقوله: " فبعثه على اليمن ثم أتبعه nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل "، ظاهر هذا أنه صلى الله عليه وسلم ولى nindex.php?page=showalam&ids=32معاذا على nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى ولم يعزل nindex.php?page=showalam&ids=110أبا موسى ، وعلى هذا يدل تنفيذ nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ الحكم بقتل المرتد، وإمضاؤه. ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم ولى كل واحد منهما على عمل غير عمل الآخر؛ (فإما في الجهات، وإما في الأعمال)، وهذا هو الصحيح [ ص: 18 ] بدليل ما وقع في صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم ولى nindex.php?page=showalam&ids=32معاذا على مخلاف من اليمن وأبا موسى على مخلاف، والمخلاف واحد المخاليف؛ وهي الكور.
وقوله: " لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله " يدل بظاهره: على أن المرتد لا يستتاب، وأنه يقتل من غير استتابة، وبه قال الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس وبعض السلف، وحكي عن عبد العزيز بن أبي سلمة ، وهو قول أهل الظاهر، وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي عن nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف . قالوا: وتنفعه توبته عند الله تعالى، ولكن لا تدرأ عنه القتل. وفرق nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء بين من ولد مسلما فلم نستتبه، وبين من أسلم ثم ارتد، وجمهور الأئمة والفقهاء على استتابته، وحكىابن القصار إجماع الصحابة على استتابته. ثم اختلف هؤلاء في مدة الاستتابة وهل يضرب لها أجل؛ فقال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وإسحاق : ثلاثة أيام - واستحسنه nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة ، وقاله nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي مرة، وحكى ابن القصار عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك فيه قولين: الوجوب، والاستحباب. وقال nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري : يدعى إلى الإسلام ثلاث مرات، فإن أبى قتل. وقاله nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي مرة. وقال المزني : يقتل مكانه إن لم يتب. وعن nindex.php?page=showalam&ids=8علي - رضي الله عنه - أنه يستتاب شهرا، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي : يستتاب أبدا - وقاله nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري . وعن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة : يستتاب ثلاث مرات أو ثلاث جمع، أو ثلاثة أيام مرة في كل يوم أو جمعة. والرجل والمرأة عند الجمهور سواء، وفرق nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة فقال: تسجن المرأة ولا تقتل. وشذ nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة والحسن فقالا: تسترق ولا تقتل. وروي مثله عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي . وخالف أصحاب الرأي في الأمة فقالوا: تدفع إلى سيدها، ويجبرها على الإسلام.
[ ص: 19 ] وقتل المرتد بالسيف عند الجمهور. وذهب nindex.php?page=showalam&ids=13216ابن سريج من أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إلى أنه يقتل بالخشب ضربا؛ لأنه أبطأ لقتله، لعله يراجع التوبة أثناء ذلك.
وفيه حجة على أن لولاة الأمصار إقامة الحدود في القتل والزنى وغير ذلك، وهو مذهب كافة العلماء: nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة ، وغيرهم.
واختلف في إقامة ولاة المياه وأشباههم لذلك؛ فرأى nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب ذلك لهم إذا جعل ذلك لهم الإمام، وقال ابن القاسم نحوه، وقال الكوفيون: لا يقيمه إلا فقهاء الأمصار، ولا يقيمه عامل السواد.
واختلف في القضاة إذا كانت ولايتهم مطلقة غير مقيدة بنوع من الأحكام؛ فالجمهور على أن جميع ذلك لهم من إقامة الحدود وإثبات الحقوق وتغيير المناكر والنظر في المصالح، [قام بذلك قائم أو اختص بحق الله تعالى]، وحكمه عندهم حكم الوصي المطلق اليد في كل شيء إلا ما يختص بضبط بيضة الإسلام من إعداد الجيوش وجباية الخراج.
واختلف أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : هل له نظر في مال الصدقات والتقديم للجمع والأعياد أم لا؟ على قولين، وذهب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة إلى أنه لا نظر له في إقامة حد ولا في مصلحة إلا لطالب مخاصم، وحكمه عندهم حكم الوكيل.
وقوله: " ثم تذاكرا قيام الليل "؛ أي: فضل قيام الليل، هل الأفضل قيامه كله أو قيام بعضه؟ فكأن nindex.php?page=showalam&ids=110أبا موسى ذهب إلى أن قيامه كله لمن قوي عليه [ ص: 20 ] أفضل، وهذا كما وقع nindex.php?page=showalam&ids=13لعبد الله بن عمرو في حديثه المتقدم، وكأن nindex.php?page=showalam&ids=32معاذا رأى أن قيام بعضه ونوم بعضه أفضل، وهذا كما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بقوله: "إنك إذا فعلت ذلك هجمت عينك ونفهت نفسك"، وكما قاله في حديث nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري المتقدم: "أما أنا فأقوم وأنام"، وقال في آخره: nindex.php?page=hadith&LINKID=654675 "فمن رغب عن سنتي فليس مني".
وقوله: " وأرجو في نومتي ما أرجوه في قومتي "، إنما كان ذلك لأنه كان ينام ليقوم؛ أي: يقصد بنومه الاستعانة على قيامه والتنشيط عليه، والتفرغ من شغل النوم عن فهم القرآن، فكان نومه عبادة يرجو فيها من الثواب ما يرجوه في القيام، ولا يتفطن لمثل هذا إلا مثل nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ الذي يسبق العلماء يوم القيامة برتوة؛ أي: رمية قوس - كما قاله صلى الله عليه وسلم.
وعلى هذا فما من مباح إلا ويمكن أن يقصد فيه وجه من وجوه الخير، فيصير قربة بحسب القصد الصحيح، والله تعالى أعلم.