[ ص: 382 ] (54) ومن باب شق صدر النبي - صلى الله عليه وسلم - في صغره
(قوله : " فاستخرج منه علقة ") أي : قطعة دم ، والعلق الدم . وهذه العلقة المنتزعة عنه هي القابلة للوسواس والمحركة للشهوات ، فأزيل ذلك عنه ، وبذلك أعين على شيطانه حتى سلم منه . و " لأمه " أي : ضمه وجمعه ، و " ظئره " مرضعته ، و " منتقع اللون " متغيره ، يقال : انتقع لونه ، وابتقع وامتقع ; أي : تغير عن حاله . و " المخيط " ما يخاط به ، وهو الخيط والإبرة . وفي " الطست " لغات ; طست بفتح الطاء وكسرها ، وطس وطسة ، والجمع طساس وطسوس وطسات .
وهذا الحديث محمول على ظاهره وحقيقته ; إذ لا إحالة في متنه عقلا ، ولا يستبعد من حيث إن شق الصدر وإخراج القلب موجب للموت ، فإن ذلك أمر عادي ، وكانت جل أحواله - صلى الله عليه وسلم - خارقة للعادة ، إما معجزة ، وإما كرامة .
وهذا الشق هو خلاف الشق المذكور في حديث nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر ومالك بن صعصعة ; بدليل اختلاف الزمانين والمكانين والحالين . أما الزمانان ، فالأول في صغره ، والثاني في كبره . [ ص: 383 ] وأما المكانان ، فالأول كان ببعض جهات مكة عند مرضعته ، والثاني عند البيت . وأما الحالان ، فالأول نزع من قلبه ما كان يضره وغسل ، وهو إشارة إلى عصمته ، والثاني غسل وملئ حكمة وإيمانا ، وهو إشارة إلى التهيؤ إلى مشاهدته ما شاء الله أن يشهده . ولا يلتفت إلى قول من قال : إن ذلك كان مرة واحدة في صغره ، وأخذ يغلط بعض الرواة الذين رووا أحد الخبرين ، فإن الغلط به أليق ، والوهم منه أقرب ، فإن رواة الحديثين أئمة مشاهير حفاظ . ولا إحالة في شيء مما ذكروه ، ولا معارضة بينهما ولا تناقض ، فصح ما قلناه . وبهذا قال جماعة من العلماء ، منهم القاضي المهلب بن أبي صفرة في " شرح مختصر صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري " . والله تعالى أعلم .
و " الحكمة " أصلها ما يمنع الجهل والسفه ، ومنه حكمة البعير ، وكونها تملأ الطست استعارة تفهم أن المجعول في قلبه منها كثير شريف ، وإلا فليست العلوم أجساما حتى تملأ الطست . وقيل : إن القلب لما امتلأ حكمة بعد غسله بملء الطست من ماء زمزم ، قدرت الحكمة بما كانت عنده ، والله أعلم .