قوله: " لا هجرة "؛ أي: لا وجوب هجرة بعد فتح مكة ، وإنما سقط فرضها إذ ذاك لقوة المسلمين وظهورهم على عدوهم، ولعدم فتنة أهل مكة لمن كان بها من المسلمين بخلاف ما كان قبل الفتح، فإن الهجرة كانت واجبة لأمور: سلامة دين المهاجرين من الفتنة، ونصرة النبي صلى الله عليه وسلم، وتعلم الدين وإظهاره. وقد تقدم أنه لم يختلف في وجوب الهجرة على أهل مكة من المسلمين. واختلف في وجوبها على من كان بغيرها؛ فقيل: كانت واجبة على كل من أسلم تمسكا بمطلق الأمر بالهجرة وذم من لم يهاجر، وببيعة النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة كما جاء في حديث مجاشع وقيل: بل كانت مندوبا إليها في حق غير أهل مكة - حكاه أبو عبيد . ويستدل لهذا القول بقول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي استشاره في الهجرة " إن شأنها لشديد " ولم يأمره بها، بل أذن له في ملازمة مكانه كما يأتي، وبدليل أنه لم يأمر الوفود عليه قبل الفتح بالهجرة. وقيل: إنما كانت واجبة على من لم يسلم جميع أهل بلده لئلا يبقى تحت أحكام الشرك ويخاف الفتنة على دينه.
قلت: ولا يختلف في أنه لا يحل لمسلم المقام في بلاد الكفر مع التمكن من الخروج منها لجريان أحكام الكفر عليه ولخوف الفتنة على نفسه، وهذا حكم nindex.php?page=showalam&ids=15603ثابت مؤبد إلى يوم القيامة، وعلى هذا فلا يجوز لمسلم دخول بلاد الكفر [ ص: 70 ] لتجارة أو غيرها مما لا يكون ضروريا في الدين كالرسل وكافتكاك المسلم، وقد أبطل nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك رحمه الله تعالى شهادة من دخل بلاد الهند للتجارة.
وقوله: " ولكن جهاد ونية "؛ أي: ولكن يبقى جهاد ونية، أو جهاد ونية باقيان - أي: نية في الجهاد أو في فعل الخيرات، وهذا يدل على أن استمرار حكم الجهاد إلى يوم القيامة وأنه لم ينسخ، لكنه يجب على الكفاية، وإنما يتعين إذا دهم العدو بلدا من بلاد المسلمين فيتعين على كل من تمكن من نصرتهم، وإذا استنفرهم الإمام تعين على كل من استنفره لنص هذا الحديث على ذلك، وهو أمر مجمع عليه.