(قوله: ألا نزوجك جارية شابة ؟) (ألا): عرض وتحضيض. و (الجارية) هنا: [ ص: 81 ] المعصر وما قارب ذلك. والبكر: الذي لم يتزوج من الرجال والنساء؛ يقال: رجل بكر، وامرأة بكر - بكسر الباء - والبكر أيضا: أول الأولاد - بالكسر -؛ كما قال الشاعر:
يا بكر بكرين ويا خلب الكبد أصبحت مني كذراع من عضد
وفي مقابلة البكر: الأيم، وسيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى.
و (قوله: لعلها تذكرك بعض ما مضى من زمانك ) أي: زمان نشاطك وغلمتك. فقد قال في الرواية الأخرى: ( لعلها ترجع إليك ما كنت تعهد من نفسك ) وكان عبد الله قد قلت رغبته في النساء؛ إما للاشتغال بالعبادة، وإما للسن، وإما لمجموعهما، فحركه nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بذلك.
و ( الباءة ) - بفتح الباء، والمد -: النكاح. وأصله: المنزل؛ يقال: باءة، ومباءة، ومبوأ. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في المدينة حين أطل عليها: (هذه المبوأ) أي: المنزل. ثم قيل للتزويج: باه؛ لأن من تزوج امرأة بوأها منزلا. قال nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي : وفيه لغتان: باه، وباء. قال: هو الغشيان. وإن شئت جمعت بالتاء، فقلت: باءات. قال غيره: فيه أربع لغات، وزاد: باهة، فأبدل من الهمزة هاء، وباها - بالقصر والهاء -.
و (قوله صلى الله عليه وسلم: ( من استطاع ) أي: من وجد ما به يتزوج. و ( من لم يستطع ) [ ص: 82 ] أي: من لم يجد ذلك. ولا يراد به هنا: القدرة على الوطء؛ لقوله: ( فعليه بالصوم، فإنه له وجاء ).
و (قوله: فليتزوج ) أمر، وظاهره: الوجوب. وبه قال داود ومن تابعه. والواجب عندهم العقد لا الدخول، فإنه إنما يجب عندهم مرة في العمر. والجمهور: على أن التزويج مندوب إليه، مرغب فيه على الجملة. وقد اعتبره بعض علمائنا بالنظر إلى أحوال الناس، وقسمه بأقسام الأحكام الخمسة. وذلك واضح. وصرف الجمهور ذلك الأمر عن ظاهره لشيئين:
أحدهما: أن نقول بموجبه في حق الشاب المستطيع الذي يخاف الضرر على نفسه ودينه من العزبة، بحيث لا يرتفع عنه إلا بالتزويج، وهذا لا يختلف في وجوب التزويج عليه.
والثاني: أنهم قالوا: إنما يجب العقد لا الوطء. وظاهر الحديث: إنما هو الوطء، فإنه لا يحصل شيء من الفوائد التي أرشد إليها في ذلك الحديث؛ من [ ص: 83 ] تحصين الفرج، وغض البصر بالعقد. بل: إنما يحصل كل ذلك بالوطء، وهو الذي يحصل دفع الشبق إليه بالصوم. فما ذهبوا إليه لم يتناوله الحديث. وما تناوله الحديث لم يذهبوا إليه. وذلك دليل على سوء فهمهم، وقلة فطنتهم.
ولا حجة لهم في قوله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء الآية؛ لأنه أمر قصد به بيان ما يجوز الجمع بينه من أعداد النساء، لا أنه قصد به حكم أصل القاعدة.
و (قوله: فعليه بالصوم ) قال الإمام أبو عبد الله : فيه إغراء بالغائب، ومن أصول النحويين ألا يغرى بغائب، وقد جاء شاذا قول بعضهم: عليه رجلا ليسني؛ على جهة الإغراء. قال القاضي أبو الفضل عياض : هذا الكلام nindex.php?page=showalam&ids=13436لأبي محمد بن قتيبة والزجاجي وبعضهم، ولكن على قائله أغاليط ثلاثة:
أولها: قوله: لا يجوز الإغراء بالغائب، وصوابه: لا يجوز إغراء الغائب، أو لا يغرى غائب. فأما الإغراء بالشاهد والغائب فجائز. وهكذا نص أبو عبيد في هذا الحديث، وكذلك كلام nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ومن بعده من أئمة هذا الشأن قالوا: وإنما يؤمر بمثل هذا الحاضر، والمخاطب، ولا يجوز: دونه زيدا، ولا: عليه زيدا - وأنت تريد غير المخاطب -؛ لأنه ليس بفعل له، ولا تصرف تصرفه. وإنما جاز [ ص: 84 ] للحاضر؛ لما فيه من معنى الفعل، ودلالة الحال. فأما الغائب فلا يوجد ذلك فيه؛ لعدم حضوره، وعدم معرفته بالحالة الدالة على المراد.
وثانيها: عد قولهم: عليه رجلا، ليس من إغراء الغائب. وقد جعله nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه والسيرافي منه. ورأوه شاذا.
قال القاضي : والذي عندي: أنه ليس المراد بها حقيقة الإغراء، وإن كانت صورته، فلم يرد هذا القائل تبليغ هذا الغائب، ولا أمره بإلزام غيره، وإنما أراد الإخبار عن نفسه بعدم مبالاته بالغائب، وأنه غير متأت له منه ما يريد، فجاء بهذه الصورة يدل على ذلك. ونحوه قولهم: إليك عني؛ أي: اجعل شغلك بنفسك عني، ولم يرد أن يغريه به، وإنما مراده: دعني، وكن كمن شغل عني.
وثالثها: عدهم هذه اللفظة في الحديث من إغراء الغائب.
قال القاضي : والصواب: أنه ليس في هذا الحديث إغراء الغائب جملة. والكلام كله والخطاب للحضور الذين خاطبهم صلى الله عليه وسلم بقوله: ( من استطاع منكم الباءة ) فالهاء هنا ليست للغائب، وإنما هي لمن خص من الحاضرين بعدم الاستطاعة؛ إذ لا يصح خطابه بكاف الخطاب؛ لأنه لم يتعين منهم، ولإبهامه بلفظة (من) وإن كان حاضرا. وهذا النحو كثير في القرآن؛ كقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر إلى قوله: فمن عفي له من أخيه شيء [البقرة: 178] وكقوله: كتب عليكم الصيام إلى قوله: فمن تطوع خيرا فهو خير له [البقرة: 183 - 184] وكقوله: ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين [الأحزاب: 31]، فهذه الهاءات كلها ضمائر للحاضر لا للغائب، ومثله: لو قلت [ ص: 85 ] لرجلين: من قام الآن منكما فله درهم. فهذه الهاء لمن قام من الحاضرين.
قلت: اختصرت كلام القاضي في هذا الفصل من غير تبديل، ولا زيادة، وهو حسن جيد، فلذلك نقلته بلفظه.
و (قوله: فإنه له وجاء ) - بكسر الواو، والمد - وهو: عض الأنثيين، أو رضهما بحجر ونحوه. وأصله: الغمز، والطعن. ومنه: وجأ في عنقه، ووجأ بطنه بالخنجر. وقال بعضهم: الوجء: أن توجأ العروق والخصيتان باقيتان بحالهما. والخصاء: شق الخصيتين، واستئصالهما. والجب: أن تحمى الشفرة، ثم تستأصل بها الخصيتان. وقد قاله بعضهم: (وجا) بفتح الواو، والقصر. وليس بشيء؛ لأن ذلك هو: الحفا في ذوات الخف، قاله nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي .