[ ص: 387 ] (56) ومن باب ما خص الله به محمدا نبينا - صلى الله عليه وسلم - من كرامة الإسراء
و ( قوله في صفة البراق : " دابة أبيض طويل ") جاء بوصف المذكر ; لأنه وصف للبراق ، ولو أتى به على لفظ الدابة ، لقال : طويلة . والبراق مشتق من البرق ، قاله nindex.php?page=showalam&ids=13147ابن دريد . وقيل : هو من الشاة البرقاء إذا كان في خلال صوفها الأبيض طاقات سود ، ومن هذا قوله - عليه الصلاة والسلام - : " nindex.php?page=hadith&LINKID=935193أبرقوا ، فإن دم عفراء عند الله أزكى من دم سوداوين " ; أي : ضحوا بالبرقاء ، وهي العفراء هنا ; فإن العفرة بياض يخالطه يسير صفرة .
و ( قوله : " عند منتهى طرفه ") بسكون الراء ، وهو العين ، يعني أنه سريع بعيد الخطو .
[ ص: 388 ] و ( قوله : " أصبت الفطرة ") أصل الفطرة : ابتداء الخلقة ، ومنه : فطر ناب البعير ، إذا ابتدأ خروجه ، ومنه : قول الأعرابي المتحاكم إلى nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في البئر : " أنا فطرتها " ، أي : ابتدأت حفرها . وقيل في قوله تعالى : فطرت الله التي فطر الناس عليها [ الروم : 30 ] ; أي : جبلة الله التي جبلهم عليها من التهيؤ لمعرفته والإقرار به . وقيل : هي ما أخذ عليهم في ظهر آدم - عليه السلام - من الاعتراف بربوبيته . وقيل : الفطرة الإسلام ; لأنه الذي تقتضيه فطرة العقل ابتداء . وقد حمل على هذا قوله - عليه الصلاة والسلام - : " nindex.php?page=hadith&LINKID=651296كل مولود يولد على الفطرة . . " الحديث ، وقد نص على هذا في حديث آخر ، فقال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=885964جبل الله الخلق على معرفته فاجتالتهم الشياطين " .
وكأن معنى الحديث أنه لما مال إلى ما يتناول بالجبلة والطبع وما لا ينشأ عنه مفسدة وهو اللبن ، وعدل عما ليس كذلك مما يتوقع منه مفسدة أو من جنسه ، وهي إذهاب العقل الموصل للمصالح ، صوب الملك فعله ودعا له ، كما قال في الرواية الأخرى : " nindex.php?page=hadith&LINKID=657246أصبت أصاب الله بك " ، ويحتمل أن يكون ذلك من باب التفاؤل والتشبيه ; لما كان اللبن أول شيء يدخل جوف الصبي ويشق أمعاءه ، فسمي بذلك فطرة .
[ ص: 389 ] و ( قوله : " وقد بعث إليه ؟ ") هو استفهام من الملائكة عن بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - وإرساله إلى الخلق . وهذا يدل على أنهم لم يكن عندهم علم من وقت إرساله ; لكونهم مستغرقين بالعبادة لا يفترون عنها . وقيل : معناه استفهامهم عن إرسال الله تعالى إليه بالعروج إلى السماء .
و " البيت المعمور " سمي بذلك ; لكثرة عمارته بدخول الملائكة فيه وتعبدهم عنده . و " الأسودة " جمع سواد ، وهي الأشخاص ، وسواد الإنسان شخصه ، يقال : لا يفارق سوادي سوادك ، وهي هاهنا أرواح بني آدم ، وقد فسرها بنسم بنيه . و " النسم " جمع نسمة ، كالشجر جمع شجرة . ولا يناقض هذا أن يخبر الشارع أن أرواح المؤمنين في الجنة أو في الصور الذي ينفخ فيه أو في القبور ، وأرواح الكافرين في سجين ; لأن هذا في أحوال مختلفة وأوقات متغايرة ، والله أعلم .
و " السدرة " واحدة السدر ، وهو شجر النبق ، وهو من أعظم الشجر جرما ، وهو أكثر شجر البادية عندهم له شوك . ولأجل هذا وصفه الله بكونه مخضودا ; أي : منزوع الشوك . وقد فسر المعنى الذي به سميت سدرة المنتهى في حديث عبد الله الآتي .
[ ص: 390 ] و ( قوله : " فلما غشيها من أمر الله ما غشي ") يعني . من جلال الله وعظيم شأنه وسلطانه ، تغيرت ; أي : انتقلت عن حالها الأول إلى حال أحسن منها .
و ( قوله : " في حديث مالك بن صعصعة : إن سدرة المنتهى يخرج من أصلها أربعة أنهار ، نهران باطنان في الجنة ، ونهران ظاهران وهما النيل والفرات ") يدل على أن السدرة ليست في الجنة ، بل خارجا عنها . وعلى ذلك أيضا يدل قوله تعالى : عندها جنة المأوى [ النجم : 15 ] ولكن قد جاء في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : [ ص: 391 ] ما يدل على أن النيل والفرات ظاهران خارجان من الجنة . ويمكن أن يجمع بينهما ; أن النيل والفرات لما كانا مشاركين لنهري الجنة في أصل السدرة ، أطلق عليهما أنهما من الجنة . وسيحان وجيحان يمكن أن يكونا تفرعا من النيل والفرات ; لقرب انفجارهما من الأصل . وقيل : إن ذلك إنما أطلق تشبيها لهذه الأنهار بأنهار الجنة ; لما فيها من شدة عذوبتها وحسنها وبركتها ، والله تعالى أعلم .