(قوله: اختصم nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص ، وعبد بن زمعة في غلام ) سبب هذا الاختصام: أنهم كانوا يبتاعون الإماء في الجاهلية، ويستأخرونهن للوطء، ويلحقون النسب بالزنى، فمن ألحقته المزني بها التحق به، ومن ألحقه بنفسه من الزناة بها التحق به إذا لم ينازعه غيره. فكان عتبة بن أبي وقاص قد وقع بأمة زمعة ؛ فحملت فولدت غلاما، فلما حضرت وفاة عتبة عهد لأخيه سعد بأن يأخذه إليه؛ لأنه ابنه، ثم مات عتبة على شركه، فحينئذ تخاصم سعد مع عبد بن زمعة في ذلك الغلام، فاحتج سعد باستلحاق أخيه عتبة له على عاداتهم في الاستلحاق بالزنى. وتمسك عبد بفراش أبيه، وكأن عبدا كان قد سمع: أن الشرع يلحق بالفراش. وإلا فلم تكن عادتهم الإلحاق به. فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بالولد لصاحب الفراش، وقطع الإلحاق بالزنى بقوله: ( وللعاهر الحجر ).
[ ص: 195 ] و (قول عبد بن زمعة في الغلام: أخي، وابن وليدة أبي ) تمسك به nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : على أن الأخ يستلحق، ومنعه nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وقال: لا يستلحق إلا الأب خاصة؛ لأنه لا يتنزل غيره في تحقيق الإصابة منزلته. وقد اعتذر nindex.php?page=showalam&ids=16867لمالك عن ذلك الظاهر بوجهين:
أحدهما: أن الحديث ليس نصا في أنه ألحقه به بمجرد نسبة الأخوة، فلعل النبي صلى الله عليه وسلم علم وطء زمعة تلك الأمة بطريق اعتمدها من اعتراف، أو غيره، فحكم بذلك، لا باستلحاق الأخ.
والثاني: أن حكمه به لم يكن لمجرد الاستلحاق، بل بالفراش. ألا ترى قوله: ( الولد للفراش )؟ وهذا تقعيد قاعدة، فإنه لما انقطع إلحاق هذا الولد بالزاني، لم يبق إلا أن يلحق بصاحب الفراش؛ إذ قد دار الأمر بينهما. وهذا أحسن الوجهين.
وهذا الحديث حجة على nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، حيث يقول: إن الولد لا يلحق إلا إذا تقدمه ولد سابق، على ما حكاه عنه الإمام nindex.php?page=showalam&ids=15140أبو عبد الله المازري .
و (قوله: فرأى شبها بينا بعتبة ، وقال: (هو لك يا عبد ) يدل على أن الشبه لا يعمل عليه في الإلحاق عند وجود ما هو أقوى منه، فإنه ألغاه هنا، وحكم بالإلحاق لأجل الفراش، كما ألغاه في حديث اللعان لأجل اللعان. وأما في حديث القافة: فليس له هناك معارض هو أقوى منه، فأعمل.
و (قوله: هو لك يا عبد ) هكذا الرواية بإثبات (يا) النداء و (عبد) منادى [ ص: 196 ] مفرد، يريد به: عبد بن زمعة ، ولا شك في هذا. وقد وقع لبعض الحنفية: (عبد) بغير (يا) فنونه. وفر بذلك عما لزمهم من إلحاق الولد من غير اشتراط ولد متقدم. وقالوا: إنما ملكه إياه؛ لأنه ابن أمة أبيه، لا أنه ألحقه بأبيه. وهذه غفلة عن الرواية واللسان. أما الرواية: فقد ذكرناها. وأما اللسان: فلو سلمنا أن الرواية بغير (يا) فالمخاطب عبد بن زمعة ، وهو بلا شك: منادى، إلا أن العرب تحذف حرف النداء من الأسماء الأعلام؛ كما قال تعالى: يوسف أعرض عن هذا [يوسف: 29]، وهو كثير. و ( عبد ) هنا: اسم علم يجوز حذف حرف النداء منه.
و (قوله: الولد للفراش ) الفراش هنا: كناية عن الموطوءة؛ لأن الواطئ يستفرشها؛ أي: يصيرها كالفراش. ويعني به: أن الولد لاحق بالواطئ. قال الإمام: وأصحاب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة يحملونه على أن المراد به صاحب الفراش، ولذلك لم يشترطوا إمكان الوطء في الحرة. واحتجوا بقول جرير:
باتت تعانقه وبات فراشها خلق العباءة في الدماء قتيلا
يعني: زوجها، والأول أولى لما ذكرناه من الاشتقاق، ولأن ما قدره من حذف المضاف ليس في الكلام ما يدل عليه، ولا يحوج إليه. وعلى ما أصلناه فقد أخذ بعموم قوله: ( الولد للفراش ) nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي ، ومن قال بقوله. فقال: الولد لا ينتفي عمن له الفراش لا بلعان، ولا غيره. وهو شذوذ، وقد حكي عن بعض أهل المدينة ، ولا حجة لهم في ذلك العموم لوجهين:
أحدهما: أنه خرج على سبب ولد الأمة، فيقصر على سببه.
وثانيهما: أن الشرع قد قعد قاعدة اللعان في حق الأزواج، وأن الولد ينتفي [ ص: 197 ] بالتعانهما، فيكون ذلك العموم المظنون مخصصا بهذه القاعدة المقطوع بها. ولا يختلف في مثل هذا الأصل.
و (قوله: وللعاهر الحجر ) العاهر: الزاني. وهو اسم فاعل من: عهر الرجل المرأة، يعهرها: إذا أتاها للفجور. وقد عهرت هي، وتعيهرت؛ إذا زنت. والعهر: الزنى.
واختلف في معنى: ( للعاهر الحجر ). فمنهم من قال: عنى به الرجم للزاني المحصن. ومنهم من قال: يعني به: الخيبة؛ أي: لا حظ له في الولد؛ لأن العرب تجعل هذا مثلا. كما يقولون: امتلأت يده ترابا؛ أي: خيبة.
قلت: وكأن هذا هو الأشبه بمساق الحديث، وبسببه. وهي حاصلة؛ أي: الخيبة لكل الزناة. فيكون اللفظ محمولا على عمومه. وهو الأصل. ويؤخذ دليل الرجم من موضع آخر. وحمله على الزاني المحصن تخصيص اللفظ من غير حاجة ولا دليل.
و (قوله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=93لسودة : ( احتجبي منه ) يستدل به على إعطاء الشوائب المختلفة أحكامها المختلفة؛ فإنه ألحق الولد بصاحب الفراش، وأمر nindex.php?page=showalam&ids=93سودة بالاحتجاب من الغلام الملحق، وإن كان أخاها شرعا للشبه. وهذا منه صلى الله عليه وسلم من باب الاحتياط، وتوقي الشبهات. ويحتمل أن يكون ذلك لتغليظ أمر الحجاب في حق nindex.php?page=showalam&ids=93سودة ؛ لأنها [ ص: 198 ] من زوجاته رضي الله عنهن. وقد غلظ ذلك في حقهن، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=41لحفصة nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة في حق nindex.php?page=showalam&ids=100ابن أم مكتوم : (أفعمياوان أنتما، ألستما تبصرانه؟ !). وقال لفاطمة بنت قيس : (انتقلي إلى بيت nindex.php?page=showalam&ids=100ابن أم مكتوم ، تضعين ثيابك عنده) فأباح لها ما منعه لأزواجه.
وفيه ما يدل على أن وطء الزنى يوجب الحرمة. وهو مذهب أهل الرأي، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، وهو أحد قولي nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، وروي عنه في "الموطأ": أنه لا يحرم، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور . وهو الصحيح؛ لأن وطء الزنى لا حرمة له اتفاقا، فلا تكون له محرمية. وتفصيله في الخلاف. وعلى القول بأنه لا يحرم، يكون الأمر nindex.php?page=showalam&ids=93لسودة بالاحتجاب من الملحق واجبا.