و (قول النبي صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=1584لأبي ذر : (إنك امرؤ فيك جاهلية ) أي: خصلة من خصالهم، يعني بها: تعيير عبده بأمه. فإن الجاهلية كانوا يعيرون بالآباء والأمهات، وذلك شيء أذهبه الإسلام بقوله تعالى: إن أكرمكم عند الله أتقاكم [الحجرات: 13] وبقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية، وفخرها بالآباء. الناس كلهم بنو آدم، وآدم خلق من تراب).
[ ص: 352 ] و (قول nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر : على حال ساعتي من الكبر ) استبعاد منه أن يبقى فيه شيء من خصال الجاهلية مع كبر سنه، وطول عمره في الإسلام، فلما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم ببقاء ذلك عليه زال استبعاده، ووجب تسليمه لذلك القول وانقياده.
و (قوله: فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون ) أي: من نوع ما تأكلون وما تلبسون. وهذا الأمر على الندب؛ لأن السيد لو أطعم عبده أدنى مما يأكله، وألبسه أقل مما يلبسه - صفة ومقدارا - لم يذمه أحد من أهل الإسلام؛ إذ قام بواجبه عليه، ولا خلاف في ذلك فيما علمته. وإنما موضع الذم: إذا منعه ما يقوم به أوده، ويدفع به ضرورته، كما نص عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوتهم). وإنما هذا على جهة الحض على مكارم الأخلاق ، وإرشاد إلى الإحسان، وإلى سلوك طريق التواضع حتى لا يرى لنفسه مزية على عبده؛ إذ الكل عبيد الله، والمال مال الله، ولكن سخر بعضهم لبعض، وملك بعضهم بعضا؛ إتماما للنعمة، وتقعيدا للحكمة.
و (قوله: ولا تكلفوهم ما يغلبهم ) أي: لا تكلفوهم ما لا يطيقونه. وهو نهي، وظاهره التحريم.
و (قوله: فإن كلفتموهم فأعينوهم ) أي: إن أخطأتم فوقع ذلك منكم، فارفعوا عنهم ذلك؛ بأن تعينوهم على ذلك العمل، فإن لم يمكنكم ذلك فبيعوهم؛ كما جاء في الرواية الأخرى: (ممن يرفق بهم).