(قوله: ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة...) الحديث؛ إنما خص المسلم بالذكر لأنه ينوي عند الغرس غالبا أن يتقوى بثمرة ذلك الغرس المسلمون على عبادة الله تعالى، ولأن المسلم هو الذي يحصل له ثواب. وأما الكافر فلا يحصل له بما يفعله من الخيرات ثواب، وغايته أن يخفف العذاب عنه، وقد يطعم في الدنيا، ويعطى بذلك؛ كما تقدم في كتاب الإيمان.
والجواب: أن هذا النهي محمول على الاستكثار من الضياع والانصراف إليها بالقلب الذي يفضي بصاحبه إلى الركون للدنيا. فأما إذا اتخذها غير مستكثر، وقلل منها، وكانت له كفافا وعفافا فهي مباحة، غير قادحة في الزهد، وسبيلها كسبيل المال الذي استثناه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إلا من أخذه بحقه، ووضعه في [ ص: 422 ] حقه) فأما لو غرس، واتخذ الضيعة ناويا بذلك معونة المسلمين، وثواب ما يؤكل ويتلف له منها، ويفعل بذلك معروفا، فذلك من أفضل الأعمال، وأكرم الأحوال، ولا بعد في أن يقال: إن أجر ذلك يعود عليه أبدا دائما، وإن مات وانتقلت إلى غيره. ولولا الإكثار لذكرنا فيمن اتخذ الضياع من الفضلاء، والصحابة جملة من صحيح الأخبار.
و (قوله: ولا يرزؤه أحد ) أي: لا ينقصه. يقال: ما رزأته زبالا؛ أي: ما نقصته. والزبال: ما تحمله النملة في فيها.