(قوله: لو بعت من أخيك ثمرا، فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق ) دليل واضح على وجوب إسقاط ما أجيح من الثمرة عن المشتري. ولا يلتفت إلى قول من قال: إن ذلك لم يثبت مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما ثبت من قول nindex.php?page=showalam&ids=9أنس ؛ لأن ذلك ليس بصحيح؛ بل الصحيح: رفع ذلك من حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس . على ما ذكرناه في الأصل، واعتضد ذلك بأمره صلى الله عليه وسلم بوضع الجوائح.
[ ص: 424 ] وقد اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال:
أحدها: لا يوضع منها شيء عن المشتري؛ لأنها كلها في ضمانه بالشراء. وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الجديد.
وثانيها: أنها توضع عنه، قليلها، وكثيرها. وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ، nindex.php?page=showalam&ids=12074وأبو عبيد القاسم بن سلام . وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في القديم.
وثالثها: الفرق بين أن تأتي الجائحة على الثلث فأكثر، فتوضع عن المشتري، أو على أقل من الثلث، فلا توضع، وتكون منه، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وأصحابه.
أحدهما: أنها ذكرت لبيان القاعدة وحكمها. وهذا الحديث واقعة معينة. فالأول أولى.
وثانيهما: أنه يحتمل أن يكون اشترى تلك الثمرة بعد تناهي طيبها، وإذ ذاك [ ص: 425 ] لا تحتاج إلى تبقية، ولا إلى سقي، فيكون ضمانها من المشتري على كل حال.
حجة القول الثاني: ما تقدم من الحديث. ويعضد ذلك: بأنها بقي فيها حق توفية. فكأنها لم تقبض. وذلك: أنها محتاجة إلى بقائها إلى تكامل طيبها على أصولها؛ إذ بقي على البائع سقيها إلى انتهائها، فكان ذلك كالتوفية بالكيل والوزن. فما بيع من ذلك فهلك قبل كيله ووزنه، فمصيبته من بائعه قولا واحدا.
وأما تفريق nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بين القليل والكثير فوجهه: أن القليل معلوم الوقوع، بحكم العادة؛ إذ لا بد من سقوط شيء منه، وعفنه، وتتريبه. فكأن المشتري دخل عليه، ورضي به، وليس كذلك الكثير. فإنه لم يدخل عليه. فلما افترق الحال في العادة فينبغي أن يفترق في الحكم. وإذا لم يكن بد من فرق بينهما، فالقليل ما دون الثلث. والكثير: الثلث فما زاد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الثلث، والثلث كثير، أو كبير).
ثم هل يعتبر ثلث مكيله الثمرة، أو ثلث الثمن؟ قولان:
الأول لابن القاسم . والثاني لأشهب . وقد اعتذر nindex.php?page=showalam&ids=11990لأبي حنيفة رحمه الله تعالى عن الأمر بوضع الجوائح: بأن ذلك إنما كان في حق من باع الثمرة قبل بدو الصلاح، كما كانوا يفعلون قبل النهي عن ذلك. وأجيب بأن ذلك تخصيص لا دليل عليه. فإن الأمر بوضع الجوائح عام. وأيضا: فقوله صلى الله عليه وسلم: ( لو بعت من أخيك ثمرا ...) يدل على البيع الشرعي، لا الممنوع. فكيف يذكر البيع الفاسد، ولا ينهى عنه، ولا يبين فساده، ثم يعدل عنه في إبطاله إلى أمر خارج عنه؛ فظاهر هذا الحديث: أن هذا البيع وقع صحيحا. وذلك لا يكون إلا بعد الزهو، ثم طرأت الجائحة. فعلل منع حلية المال بها. وحاصل ما ذكرنا: أن الأمر بوضع الجائحة يتضمن صحة بيع ما توضع فيه الجائحة لا إفساده. وهذا واضح لمن تأمله.