(قوله: نهى عن بيع فضل الماء ) ظاهر هذا اللفظ النهي عن نفس بيع الماء الذي يشرب، فإنه السابق إلى الفهم، وقد حمله بعض العلماء على ماء الفحل. وفيه بعد، لا سيما وقد قرنه في الحديث الآخر بالنهي عن ضراب الجمل. فدل على أنه ليس هو، فإنه يكون تكرارا بلا فائدة.
وقد اختلف في المسألتين. فأما بيع الماء: فالمسلمون مجمعون على أن الإنسان إذا أخذ الماء من النيل مثلا، فقد ملكه، وأن له بيعه. قال بعض مشايخنا: فيه خلاف شاذ، لا يلتفت إليه.
وأما ماء الأنهار، والعيون، وآبار الفيافي، التي ليست بمملوكة: فالاتفاق حاصل على أن ذلك لا يجوز منعه، ولا بيعه، ولا يشك في تناول أحاديث النهي لذلك.
وأما فضل ماء في ملك: فهذا هو محل الخلاف، هل يجبر على بذل فضله لمن احتاجه، أو لا يجبر؟ وإذا أجبر، فهل بالقيمة أو لا؟ قولان سببهما معارضة عموم النهي عن بيع فضل الماء لأصل الملكية، وقياس الماء على الطعام إذا احتاج إليه. والأرجح - إن شاء الله - حمل الخبر على عمومه، فيجب بذل الفضل بغير قيمة. ويفرق بينه وبين الطعام بكثرة الماء غالبا، وعدم المشاحة فيه، وقلة الطعام غالبا، ووجود المشاحة فيه.