وعليه: فكلب الصيد، والماشية، لم يتناولهما قط عموم الأمر بقتل الكلاب، لاقتران استثنائهما من ذلك العموم.
وإلى الأخذ بهذا الحديث ذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، وأصحابه، وكثير من العلماء. فقالوا: بقتل الكلاب إلا ما استثني منها، ولم يروا الأمر بقتل ما عدا المستثنى منسوخا، بل محكما. وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=5078عبد الله بن مغفل : فمقتضاه غير هذا. وذلك: أنه قال فيه: nindex.php?page=hadith&LINKID=653076أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، ثم قال: (ما بالهم وبال الكلاب) . ثم رخص في كلب الصيد، وكلب الغنم، والزرع. ومقتضى هذا: أنه أمرهم بقتل [ ص: 449 ] جميع الكلاب من غير استثناء شيء منها، فبادروا، وقتلوا كل ما وجدوا منها، ثم بعد ذلك رخص فيما ذكر. فيكون هذا الترخيص من باب النسخ؛ لأن العموم قد استقر، وبرد، وعمل عليه، فرفع الحكم عن شيء مما تناوله نسخ لا تخصيص. وقد ذهب إلى هذا في هذا الحديث بعض العلماء.
ولما اضطربت هذه الأحاديث المروية وجب عرضها على القواعد الأصولية، فنقول: إن حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ليس فيه أكثر من تخصيص عموم باستثناء مقترن به، وهو أكثر في تصرفات الشرع من نسخ العموم بكليته. وأيضا: فإن هذه الكلاب المستثنيات الحاجة إليها شديدة، والمنفعة بها عامة وكيدة، فكيف يأمر بقتلها؛ هذا بعيد من مقاصد الشرع، فحديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أولى، والله تعالى أعلم.
قلت: والحاصل من هذه الأحاديث: أن قتل الكلاب غير المستثنيات مأمور به إذا أضرت بالمسلمين، فإن كثر ضررها وغلب، كان ذلك الأمر على الوجوب، وإن قل وندر، فأي كلب أضر وجب قتله، وما عداه جائز قتله؛ لأنه سبع لا منفعة فيه، وأقل درجاته توقع الترويع، وأنه ينقص من أجر مقتنيه كل يوم قيراطين. فأما المروع منهن غير المؤذي: فقتله مندوب إليه. وأما الكلب [ ص: 450 ] الأسود ذو النقطتين: فلا بد من قتله للحديث المتقدم، وقل ما ينتفع بمثل تلك الصفة؛ لأنه إن كان شيطانا على الحقيقة فهو ضرر محض، لا نفع فيه، وإن كان على التشبيه به، فإنما شبه به للمفسدة الحاصلة منه. فكيف يكون فيه منفعة؟ ! ولو قدرنا فيه: أنه ضار، أو للماشية، لقتل؛ لنص النبي صلى الله عليه وسلم على قتله.