و (قوله: فمن كان عنده منها شيء فليبعه، ولينتفع به ) فيه دليل على أن الخمر وبيعها كانا مباحين إباحة متلقاة من الشرع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرر أصحابه عليها، وليس ذلك من باب البقاء على البراءة الأصلية؛ لأن إقراره دليل الجواز والإباحة، كما قررناه في الأصول. وفيه دليل على اغتنام فرصة المصالح المالية إذا عرضت، وعلى صيانة المال، وعلى بذل النصيحة والإشارة بأرجح ما يعلمه من الوجوه المصلحية.
ويعني بقوله: ( من أدركته ) أي: من بلغته وهو بصفات المكلفين من العقل والبلوغ. وقد فهمت الصحابة رضي الله عنهم من نهيه عن الشرب والبيع: أنها لا ينتفع بها بوجه من الوجوه، ولذلك بادروا إلى إراقتها، وإتلافها. ولو كان فيها منفعة من المنافع الجائزة لنبه النبي صلى الله عليه وسلم عليها، كما نبه على ما في جلد الميتة من المنفعة؛ لما قال: (هلا أخذتم إهابها فدبغتموه، فانتفعتم به) وعلى هذا: فلا يجوز تخليلها، ولا أن تعالج بالملح والسمك فيصنع منها المري. وإلى منع ذلك ذهب الجمهور: nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، وغيرهم. وحكي جواز تخليلها عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث . وقد دل على فساد هذا ما ذكرناه آنفا، وما يأتي من نهيه عن اتخاذ الخمر خلا . وسيأتي مزيد بيان على هذا.
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض : وفي هذا أيضا: منع الانتفاع بها للتداوي ، وغير ذلك من العطش عند عدم الماء، ولتجويز لقمة غص بها. وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وغيرهم. وأجاز ذلك nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد . وقاله بعض أصحابنا. وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : جوازه أيضا إذا خاف التلف، وقاله nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور .
قلت: وإذا امتنع الانتفاع بها مطلقا فلا يصح تملكها لمسلم، ولا تقر في يديه، بل تتلف عليه. ويجب ذلك عليه. ويتلفها الوصي على اليتيم. وقد ذكر ابن [ ص: 457 ] خواز منداذ من قدماء أصحابنا العراقيين: أنها تملك، ونزع إلى ذلك: بأنها يمكن أن يزال بها الغصص، ويطفأ بها الحريق، فتملك لذلك. وهذا نقل لا يعرف nindex.php?page=showalam&ids=16867لمالك ، ولا يلتفت لشيء مما قيل هنالك؛ لأنا لا نسلم جواز ذلك، على ما ذكرناه آنفا فيمن غص بلقمة. ولو سلمنا ذلك فلا يلتفت إليه لندوره، وعدم وقوعه. وإنما ذلك تجويز وهمي، وتقدير، فاعتباره وسواس أعرض النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عنه، ولم يلتفتوا إلى شيء منه.