وفي رواية: مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد. ومن حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة: فمن زاد أو استزاد فهو ربا.
رواه مسلم (1587)، وأبو داود (3349)، والنسائي ( 7 \ 274 )، وابن ماجه (4454).
(26) ومن باب تحريم الربا في البر والشعير والتمر والملح
الربا في اللغة: الزيادة مطلقا. يقال: ربا الشيء، يربو: إذا زاد. ومنه الحديث: (فلا والله ما أخذنا من لقمة إلا ربا من تحتها) يعني به: الطعام الذي دعا فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة. ثم إن الشرع قد تصرف في هذا الإطلاق، فقصره على بعض موارده، فمرة أطلقه على اكتساب الحرام كيفما كان، كما قال تعالى في اليهود : وأخذهم الربا وقد نهوا عنه [النساء: 161] ولم يرد به الربا الشرعي الذي حكم بتحريمه علينا؛ وإنما أراد المال الحرام، كما قال تعالى: سماعون للكذب أكالون للسحت [المائدة: 42] [ ص: 473 ] يعني به: المال الحرام من الرشا، وما استحلوه من أموال الأميين حيث: قالوا ليس علينا في الأميين سبيل [آل عمران: 75] وعلى هذا: فيدخل فيه النهي عن كل مال حرام بأي وجه اكتسب.
والربا الذي غلب عليه عرف الشرع: تحريم النساء، والتفاضل في النقود، وفي المطعومات، على ما تقدم وعلى ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
و (قوله: غزونا غزاة، وعلى الناس nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية ) يعني: أميرا، لا خليفة؛ فإن زمان خلافته متأخر عن ذلك الوقت بكثير.
و (قوله: فغنمنا آنية من فضة، فأمر nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية أن يبيعها في أعطيات الناس ) هذا البيع لهذه الآنية كان بالدراهم، ولذلك أنكره nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت رضي الله عنه واستدل عليه بقوله: ( الفضة بالفضة ) ولو كان بذهب أو عرض لما كان للإنكار، ولا للاستدلال وجه.
و (قوله: فتسارع الناس في ذلك ) يعني في شراء تلك الآنية بالدراهم. وهو يدل على أقلية العلماء، وأن الأكثر الجهال. ألا ترى nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية رضي الله عنه قد جهل ذلك مع صحبته، وكونه من كتاب الوحي، ويحتمل أن يقال: إن nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية كان لا يرى ربا الفضل nindex.php?page=showalam&ids=11كابن عباس وغيره. والأول أظهر من مساق هذا الخبر. فتأمل نصه؛ فإنه صريح: في أن nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية لم يكن علم بشيء من ذلك.
و (قوله: نهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح ) قد تقدم القول في النقود، [ ص: 474 ] والقول هنا في الأطعمة. ولم يختلف في جريان الربا في هذه الأصناف الستة، لكن هل تعلق حكم الربا بأسمائها أم بمعانيها؟ فأهل الظاهر قصروه على أسمائها، فلا يجري الربا عندهم في غير هذه الأصناف الستة. وفقهاء الأمصار من الحجازيين وغيرهم رأوا: أن ذلك الحكم متعلق بمعانيها. وتمسكوا في ذلك بما تقدم، وبأن الدقيق يجري فيه حكم الربا بالاتفاق، ولا يصدق عليه اسم شيء من تلك الأصناف المذكورة في الحديث. فإن قيل: دقيق كل صنف منها مردود إلى حبه في حكمه. قلنا: فهذا اعتراف بأن الحكم لم يتعلق بأسمائها، بل بمعانيها. والله تعالى أعلم.
وقد اختلفوا في تعيين ذلك المعنى. فقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : إن علة ذلك كونه مكيلا أو موزونا جنسا. وذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في القديم: إلى أن المعنى: هو أنه مأكول مكيل، أو موزون جنسا. وفي الجديد: هو أنه مطعوم جنس. وحكي عن ربيعة : أن العلة هي: كونه جنسا تجب فيه الزكاة. واختلفت عبارات أصحابنا. وأحسن ما في ذلك هو كونه مقتاتا، مدخرا للعيش غالبا جنسا. ولبيان الأرجح من هذه العلل والفروع المبنية عليها علم الخلاف، وكتب الفروع.
و (قوله: البر بالبر، والشعير بالشعير ) دليل على أنهما نوعان مختلفان؛ [ ص: 475 ] كمخالفة التمر للبر؛ وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة ، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=13382وابن علية ، وفقهاء أهل الحديث. وذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث ، ومعظم علماء المدينة والشام : إلى أنهما صنف واحد. وهو مروي عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، وسعيد ، وغيرهما من السلف متمسكين بتقاربهما في المنبت، والمحصد، والمقصود؛ لأن كل واحد منهما في معنى الآخر، والاختلاف الذي بينهما إنما هو من باب مخالفة جيد الشيء لرديئه.
و (قوله: فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم ) إشارة إلى ما ذكره في الحديث من الأصناف، ويلحق بها ما في معناها على ما ذكرناه آنفا، وينضاف إلى كل نوع منها ما في معناه، وما يقاربه، وما بعد عن ذلك كان صنفا منفردا بنفسه، ولذلك لم يختلف قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : في أن الدخن صنف منفرد، وكذلك الأرز، وهو قول كافة العلماء. والعلس عند أكثر المالكية صنف منفرد. وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : هو صنف من أصناف الحنطة. وقاله بعض أصحابنا. واختلف قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في القطاني . هل هو صنف واحد، أو أصناف؟ وقد ضم nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك السلت إلى البر والشعير. وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : هو صنف منفرد بنفسه. وقال nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث : السلت، والدخن، والذرة، صنف واحد. وقاله nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب . وسبب هذا الاختلاف اختلاف الشهادة بالتقارب في المقصود، والمحصد، والمنبت. فمن شهدت له عادة استعمال صنف في معنى صنف، وشابهه في شيء مما ذكرناه ألحقه به. ومن لم يحصل له ذلك لم يلحق. والأصل: أن ما اختلفت أسماؤه، ومقاصده أن يعد أصنافا مختلفة بدليل ظاهر الحديث المتقدم، والله تعالى أعلم.
و (قوله: وزنا بوزن، مثلا بمثل، سواء بسواء ) يدل على وجوب تحقيق المماثلة في بيع الربوي بصنفه. وذلك لا يكون إلا بمعيار معلوم مقداره بالشرع، [ ص: 476 ] أو بالعادة وزنا أو كيلا. والأولى عند nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : أن تجعل ذهبك في كفة، ويجعل ذهبه في كفة، فإذا استوى أخذ وأعطي، وكذلك يكون الكيل واحدا، ويجوز بصنجة واحدة؛ معلومة المقدار بالعادة أو بالتحقيق. ولا يجوز عند nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في الصرف ولا غيره من البيوع أن يتعاملا بمعيار مجهول، يتفقان عليه؛ لجهل كل واحد منهما بما يصير إليه.
قلت: وعلى هذا التعليل؛ فلا تجوز المراطلة المذكورة، لوجود الجهل المذكور.