رواه أحمد ( 4 \ 436 )، والبخاري (2463)، ومسلم (1609)، وأبو داود (3634)، والترمذي (1353)، وابن ماجه (2335).
[ ص: 530 ] (37) ومن باب غرز الخشب في جدار الغير، وإذا اختلف في الطريق
(قوله: لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره ) اختلف العلماء في تمكين رب الحائط من هذا عند السؤال. فصار nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في المشهور عنه، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة : إلى أن ذلك من باب الندب، والرفق بالجار، والإحسان إليه، ما لم يضر ذلك بصاحب الحائط. ولا يجبر عليه من أباه، متمسكين في ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: nindex.php?page=hadith&LINKID=31477 (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه) ولأنه لما كان الأصل المعلوم من الشريعة: أن المالك لا يجبر على إخراج ملك عن يده بعوض، كان أحرى وأولى ألا يخرج عن يده بغير عوض. وصار آخرون: إلى أن ذلك على الوجوب، ويجبر من أباه عليه. وممن ذهب إلى ذلك: nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل ، وداود بن علي ، nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ، وجماعة من أهل الحديث، وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=2عمر . وحكي ذلك عن المطلب - قاض كان بالمدينة - يقضي به، متمسكين بظاهر النهي المذكور، ولأنه قد روي من طريق آخر عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في هذا الحديث: nindex.php?page=hadith&LINKID=663643 (لا يحل لامرئ مسلم أن يمنع جاره أن يغرز خشبات في جداره). وبقضاء nindex.php?page=showalam&ids=2عمر [ ص: 531 ] رضي الله عنه على nindex.php?page=showalam&ids=80محمد بن مسلمة وعلى يحيى المازني بمثل ذلك من المرور بالربيع، وتحويله في أرضهما، على ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في "الموطأ". ولم يسمع بمخالف له في ذلك من الصحابة غير nindex.php?page=showalam&ids=80محمد بن مسلمة . وهو المحكوم عليه.
قلت: وقد دفعت كل طائفة ما احتجت به الأخرى بوجوه من التأويلات لا تبعد على من تأملها، تركناها لطولها. والأولى: القول الأول؛ لأنه الذي تشهد له الأصول.
فرع على القول بالندب: إذا أذن له في ذلك إذنا مطلقا لم يكن له أن يطالبه بقلعها إلا إن دعت إلى ذلك ضرورة، كبناء الجدار، أو شيء لا بد منه؛ لأن الإذن المطلق يقتضي التأبيد، فإن أذن له إلى مدة معينة فله ذلك عند انقضائها.
و (قوله: أن يغرز خشبة ) روي بتوحيد (خشبة) وبجمعها، قال nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي عن روح بن الفرج : سألت أبا زيد ، nindex.php?page=showalam&ids=14061والحارث بن مسكين ، nindex.php?page=showalam&ids=17418ويونس بن عبد الأعلى عنه. فقالوا: (خشبة) بالنصب والتنوين واحدة. قال عبد الغني : كل الناس يقولون بالجمع إلا nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي .
قلت: وإنما اعتنى هؤلاء الأئمة بتحقيق الرواية في هذا الحرف؛ لأن أمر الخشبة الواحدة يخف على الجار المسامحة به. وأما إذا قال: خشبه؛ فقد لا يتسامح في الكثير منها، ويثقل ذلك للحوق الضرر بذلك. حكي: أن يونس بن عبد الأعلى الصدفي سأل nindex.php?page=showalam&ids=16472عبد الله بن وهب : كيف تروي الحديث: (خشبة) على الإفراد؛ فقال: الذي سمعناه من جماعة: (خشبة) على لفظ الواحد. وقال nindex.php?page=showalam&ids=16390عبد الغني بن سعيد الحافظ: كل الناس يقوله على الجمع إلا nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي . ورجح بعض الأشياخ ما قاله nindex.php?page=showalam&ids=16390عبد الغني بن سعيد بالألفاظ الواردة في طرق الحديث منها: [ ص: 532 ] قوله صلى الله عليه وسلم: nindex.php?page=hadith&LINKID=652283 (ليس لجار أن يمنع جاره أن يضع أعواده على جداره). وفي رواية أخرى: (أن يضع جذوعه) وفي أخرى: (أن يغرز خشبا) وفي أخرى: (أطراف خشب). فهذه الألفاظ جميعها توضح: أنه جمع.
و (قوله: ما لي أراكم عنها معرضين ) الضمير في (عنها) يعود إلى المقالة التي صدرت منه لهم. وأنثها على المعنى. وهذا القول منه إنكار عليهم، لما رأى منهم من الإعراض واستثقال ما سمعوه منه، وذلك: أنهم لم يقبلوا عليه، بل طأطؤوا رؤوسهم، كما رواه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي في هذا الحديث.
و (قوله: والله لأرمين بها بين أظهركم ) وفي أخرى: (لأضربن بها بين أعينكم وإن كرهتم) ذكرها nindex.php?page=showalam&ids=13332أبو عمر ؛ أي: لأحدثنكم بتلك المقالة التي استثقلتم سماعها من غير مبالاة. ولا تقية، وأوقعها بينكم كما يوقع السهم بين الجماعة.
ففيه من الفقه: تبليغ العلم لمن لم يرده، ولا استدعاه؛ إذا كان من الأمور المهمة. ويظهر منه: أن nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة كان يعتقد وجوب بذل الحائط لغرز الخشب، وأن السامعين له لم يكونوا يعتقدون ذلك. وأما رواية: (لأضربن بها أعينكم): فهي على جهة المثل؛ الذي قصد به الإغياء في الإنكار؛ لأنه فهم عنهم الإعراض عما [ ص: 533 ] قال والكراهة، فقابلهم بذلك. والرواية المشهورة: (أكتافكم) - بالتاء باثنتين من فوقها - جمع: كتف. وقد وقع في "الموطأ" من رواية يحيى : (أكنافكم) بالنون، جمع: كنف، وهو: الجانب.