[ 1770 ] عن nindex.php?page=showalam&ids=130أبي بكرة، nindex.php?page=hadith&LINKID=660187عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب شهر مضر، الذي بين جمادى وشعبان. ثم قال: أي شهر هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس ذا الحجة؟ قلنا: بلى. قال: فأي بلد هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس البلدة؟ قلنا: بلى، قال: فأي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: فإن دماءكم، وأموالكم - قال: وأحسبه قال - وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فلعل بعض من يبلغه يكون أوعى له من بعض من سمعه. قال: ألا هل بلغت؟
[ ص: 43 ] أحدها: قاله nindex.php?page=showalam&ids=12444إياس بن معاوية وذلك: أن المشركين كانوا يحسبون السنة اثني عشر شهرا وخمسة عشر يوما، فكان الحج يكون في رمضان، وفي ذي القعدة، وفي كل شهر من السنة [بحكم استدارة الشهر بزيادة الخمسة عشر يوما، فحج nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر - رضي الله عنه - سنة تسع في ذي القعدة] بحكم الاستدارة، ولم يحج النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما كان في العام المقبل وافق الحج ذا الحجة في العشر، ووافق ذلك الأهلة.
وقد روي أن nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر إنما حج في ذي الحجة.
الثاني: روي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال: كانوا إذا كانت السنة التي ينسأ فيها، قام خطيبهم وقد اجتمع إليه الناس يوم الصدر فقال: أيها الناس! إني قد نسأت العام صفرا الأول، يعني: المحرم، فيطرحونه من الشهور، ولا يعتدون به. ويبدؤون العدة، فيقولون لصفر وشهر ربيع الأول: صفران، ولربيع الآخر وجمادى الأولى: شهرا ربيع، ولجمادى الآخرة ورجب: جماديان، ولشعبان: رجب، ولرمضان: شعبان، وهكذا إلى محرم. ويبطلون من هذه السنة شهرا، فيحجون في كل شهر حجتين، ثم ينسأ في السنة الثالثة صفرا الأول في عدتهم، وهو الآخر في العدة المستقيمة، حتى تكون حجتهم في صفر حجتين، وكذلك الشهور كلها حتى يستدير الحج في كل أربع وعشرين سنة إلى المحرم الشهر الذي ابتدؤوا فيه النساء.
ونحوه قال nindex.php?page=showalam&ids=16414ابن الزبير ، إلا أنه قال: يفعلون ذلك في كل ثلاث سنين، يزيدون شهرا. قيل: وكانوا يقصدون بذلك موافقة شهور العجم لشهور الأهلة حتى تأتي الأزمان واحدة.
الثالث: قيل: كانت العرب تحج عامين في ذي القعدة، وعامين في ذي الحجة، فصادفت حجة nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر - رضي الله عنه - ذا القعدة من السنة الثانية. وصادفت حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - ذا الحجة بالاستدارة.
[ ص: 44 ] والأشبه القول الأول; لأنه هو الذي استفيد نفيه من قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الزمان قد استدار) أي: زمان الحج عاد إلى وقته الأصلي; الذي عينه الله تعالى له يوم خلق السماوات والأرض بأصل المشروعية التي سبق بها علمه، ونفذ بها حكمه. ثم قال: (السنة اثنا عشر شهرا) ينفي بذلك الزيادة التي زادوها في السنة; وهي الخمسة عشر يوما بتحكمهم، ثم هذا موافق لقوله تعالى: إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم [التوبة: 36] فتعين الوقت الأصلي، وبطل التحكم الجهلي. والحمد لله الولي.
قلت: وهذه أقوال سلف هذه الأمة، وعلماء أهل السنة، وقد تكلم على هذا الحديث بعض من يدعي علم التعديل بقول صدر عنه من غير تحقيق ولا تحصيل، فقال: إن الله سبحانه أول ما خلق الشمس أجراها في برج الحمل، وكأن الزمان الذي أشار إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - صادف حلول الشمس في برج الحمل.
قلت: وهذا تقول بما لم يصح نقله; إذ مقتضى قوله: إن الله تعالى خلق البروج قبل الشمس، وأنه أجراها في أول برج الحمل. وهذا لا يتوصل إليه إلا بالنقل عن الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - ولا نقلا صحيحا عنهم بشيء من ذلك. ومن ادعاه فليسنده. ثم: إن العقل يجوز خلاف ما قال، وهو: أن يخلق الله تعالى الشمس قبل البروج، ويجوز أن يخلق ذلك دفعة واحدة، ثم إن علماء التعديل قد اختبروا كلام ذلك الرجل فوجدوه خطأ صراحا; لأنهم اعتبروا بحساب التعديل اليوم الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك القول، فوجدوا الشمس فيه في برج الحوت، بينها وبين الحمل عشرون درجة، ومنهم من قال: عشر درجات، والله تعالى أعلم.
و(قوله: منها أربعة حرم ) أي: من الاثني عشر شهرا، وأولها المحرم. [ ص: 45 ] سمي بذلك: لتحريم القتال فيه. ثم صفر؛ سمي بذلك: لخلو مكة من أهلها فيه. وقيل: وقع فيه وباء فاصفرت وجوههم. أبو عبيد : لصفر الأواني من اللبن. ثم الربيعان: لارتباع الناس فيهما; أي: لإقامتهم في الربيع. ثم جماديان، وسميا بذلك: لأن الماء جمد فيهما. ثم رجب؛ سمي بذلك لترجيب العرب إياه; أي: لتعظيمهم له، أو لأنه لا قتال فيه. والأرجب: الأقطع. ثم شعبان؛ وسمي بذلك: لتشعب القبائل فيه. ثم رمضان؛ وسمي بذلك لشدة الرمضاء فيه. ثم شوال؛ وسمي بذلك: لأن اللقاح تشول فيه أذنابها. ثم ذو القعدة؛ سمي بذلك لقعودهم فيه عن الحرب. ثم ذو الحجة؛ وسمي بذلك لأن الحج فيه.
وسميت الحرم حرما: لاحترامها وتعظيمها بما خصت به من أفعال البر، وتحريم القتال، وتشديد أمر البغي والظلم فيها.
وذلك: أن العرب كانت في غالب أحوالها، ومعظم أوقاتها قبل مجيء الإسلام أهل غارة ونهب، وقتال وحرب، يأكل القوي الضعيف، ويصول على المشروف الشريف، لا يرجعون لسلطان قاهر، ولا لأمر جامع، وكانوا فوضى فضا، من غلب سلب، ومن عز بز، لا يأمن لهم سرب، ولا يستقر بهم حال.
فلطف الله بهم بأن جعل في نفوسهم احترام أمور يمتنعون فيها من الغارة، والقتال، والبغي، والظلم، فيأمن بعضهم من بعض، ويتصرفون فيها في حوائجهم، ومصالحهم، فلا يهيج فيها أحد أحدا، ولا يتعرض له، حتى إن الرجل يلتقي فيها بقاتل أبيه وأخيه فلا يتعرض له بشيء، ولا بغدر; بما جعل الله في قلوبهم من تعظيم تلك الأمور.
ولا يبعد أن يكون أصل ذلك مشروعا لهم من دين إبراهيم وإسماعيل كالحج، والعمرة، وغيرهما مما كان عندهم من شرائعهما.
ومعنى كون هذه الأمور قياما للناس; أي: تقوم بها أحوالهم، وتنتظم بها مصالحهم من أمر أديانهم ومعايشهم. هذا معنى ما قاله المفسرون. فلما جاء الإسلام لم يزد تلك الأمور إلا تعظيما وتشريفا، غير أنه لما حد الحدود، وشرع الشرائع، ونصب العقوبات والزواجر; اتفقت كلمة المسلمين، والتزمت شرائع الدين، فأمن الناس على دمائهم ونفوسهم، وأموالهم، فامتنع أهل الظلم من ظلمهم، وكف أهل البغي عن بغيهم، واستوى في الحق القوي والضعيف، والمشروف والشريف، فمن صدر عنه بغي، أو عدوان، قمعته كلمة الإسلام، وأقيمت عليه الأحكام، فحينئذ لا يعيده شيء من تلك المحرمات، ولا يحول بينه وبين حكم الله تعالى أحد من المخلوقات.
فالحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، والمنهج المستقيم، وهو المسؤول بأن ينعم علينا بالدوام، والتمام، ويحشرنا في زمرة واسطة النظام محمد عليه الصلاة والسلام.
[ ص: 47 ] وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ( ثلاثة متواليات ) أي: يتلو بعضها بعضا، كما قد قال في الرواية الأخرى: (ثلاثة سرد، وواحد فرد).
و(قوله: رجب شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان ) هذه مبالغة في تعيين هذا الشهر ليتميز عما كانوا يتحكمون به من النساء، ومن تغيير أسماء الشهور. وقد تقدم أنهم كانوا يسقطون من السنة شهرا وينقلون اسم الشهر للذي بعده، حتى سموا شعبان رجبا.
ونسبة هذا الشهر لمضر : إما لأنهم أول من عظمه، أو: لأنهم كانوا أكثر العرب له تعظيما، واشتهر ذلك حتى عرف بهم.
و(قوله: أي شهر هذا ؟) و: ( أي بلد هذا ؟) و: ( أي يوم هذا ؟) وسكوته بعد كل واحد منها; كان ذلك منه استحضارا لفهومهم، وتنبيها لغفلتهم، وتنويها بما يذكره لهم; حتى يقبلوا عليه بكليتهم، ويستشعروا عظمة حرمة ما عنه يخبرهم؛ ولذلك قال بعد هذا: ( فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا ).
وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - مبالغة في بيان تحريم هذه الأشياء، وإغياء في التنفير عن الوقوع فيها; لأنهم كانوا قد اعتادوا فعلها، واعتقدوا حليتها، كما تقدم في بيان أحوالهم، وقبح أفعالهم.
[ ص: 48 ] و(قوله: وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ) أي: ستقفون في العرض موقف من لقي فحبس حتى تعرض عليه أعماله، فيسأل عنها، وهذا إخبار بمقام عظيم، وأمر هائل، لا يقدر قدره، ولا يتصور هوله، أصبح الناس عن التذكر فيه معرضين، وعن الاستعداد له متشاغلين، فالأمر كما قال في كتابه المكنون: قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون [ص: 67 - 68] فنسأل الله تعالى من فضله أن يوقظنا من رقدتنا، وينبهنا من غفلتنا، ويجعلنا ممن استعد للقائه، وكفي فواجئ نقمه وبلائه.
[ ص: 49 ] وإنما يحمل الحديث على التشبيه تغليظا; وذلك: أن المسلمين إذا تحاجزوا، وتقاتلوا; فقد ضلت الطائفة الباغية منهما، أو كلاهما إن كانتا باغيتين عن الحق، وكفرت حق الأخرى وحرمتها، وقد تشبهوا بالكفار؛ وكأنه - صلى الله عليه وسلم - اطلع على ما يكون في أمته من المحن والفتن، فحذر من ذلك، وغلظه بذلا للنصيحة، ومبالغة في الشفقة - صلى الله عليه وسلم -.
فأما نقل الحديث بالمعنى: فمن جوزه إنما جوزه من الفقيه العالم بمواقع الألفاظ، ومن أهل العلم من منع ذلك مطلقا. وقد تقدم ذلك.
وفيه حجة على أن المتأخر قد يفهم من الكتاب والسنة ما لم يخطر للمتقدم; فإن الفهم فضل الله يؤتيه من يشاء، لكن هذا يندر ويقل، فأين البحر من الوشل، والعل من العلل، ليس التكحل في العينين كالكحل.
و(قوله: ألا هل بلغت ) استفهام على جهة التقرير; أي: قد بلغتكم ما [ ص: 50 ] أمرت بتبليغه لكم، فلا عذر لكم; إذ لم يقع مني تقصير في التبليغ.
قال nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : قوله: ( ثم انكفأ إلى كبشين ...) إلخ، وهم من nindex.php?page=showalam&ids=16453ابن عون فيما قيل; وإنما رواه nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس .
قلت: إنما نسب هذا الوهم لابن عون ; لأن هذا الحديث قد رواه عن nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين nindex.php?page=showalam&ids=12341أيوب السختياني ، وقرة بن خالد ، وانتهى حديثهما في خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجه يوم النحر عند قوله: (ألا هل بلغت) في رواية nindex.php?page=showalam&ids=12341أيوب . وزاد قرة إلى هذا: قالوا: نعم. قال: (اللهم اشهد). وبعد قوله: (ألا هل بلغت) زاد nindex.php?page=showalam&ids=16453ابن عون عن nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين ، عن nindex.php?page=showalam&ids=130أبي بكرة : ثم انكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما ... إلخ. وهذا الكلام إنما كان من النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبة عيد الأضحى، على ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=12341أيوب وهشام ، [ ص: 51 ] عن nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين ، عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك على ما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في الضحايا، عنه، قال nindex.php?page=showalam&ids=9أنس : nindex.php?page=hadith&LINKID=655123إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى ثم خطب، فأمر من كان ذبح قبل الصلاة أن يعيد ذبحا. قال: وانكفأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى كبشين أملحين، فذبحهما، فقام الناس إلى غنيمة، فتوزعوها. أو قال: فتجزعوها. فكأن nindex.php?page=showalam&ids=16453ابن عون اختلط عليه الحديثان فساقهما مساقا واحدا. وأن ذلك كان في خطبة عرفة وهو وهم لا شك فيه.