(قوله: إن قريشا أهمهم شأن المخزومية التي سرقت ) هذا هو الصحيح: أن هذه المرأة سرقت، وقطعت يدها لأجل سرقتها، لا لأجل جحد المتاع. ويدل على صحة ذلك أربعة أوجه:
أولها: إن رواية من روى: "أنها سرقت" أكثر وأشهر من رواية من قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=849381إنها كانت تجحد المتاع وإنما انفرد nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر بذكر الجحد وحده من بين الأئمة الحفاظ، وقد تابعه على ذلك من لا يعتد بحفظه كابن أخي ابن شهاب ونمطه. هذا قول المحدثين.
ثانيها: إن nindex.php?page=showalam&ids=17124معمرا وغيره ممن روى هذه القضية متفق على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال - حيث أنكر على أسامة -: ( لو أن فاطمة سرقت لقطعت يدها ) ثم أمر بيد المرأة فقطعت. وهذا يدل دلالة قاطعة على أن المرأة قطعت في السرقة; إذ لو كان قطعها لأجل جحد المتاع لكان ذكر السرقة هنا لاغيا، لا فائدة له، وإنما كان يقول: لو أن فاطمة جحدت المتاع لقطعت يدها.
وثالثها: إن جاحد المتاع خائن، ولا قطع على خائن عند جمهور العلماء [ ص: 78 ] خلافا لما ذهب إليه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ، nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه ; لقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر مرفوعا: ( nindex.php?page=hadith&LINKID=33843ليس على خائن، ولا منتهب، ولا مختلس، قطع ) . وقال: هذا حديث حسن صحيح. وهذا نص. ولأنه لو كان في جحد المتاع قطع لكان يلزم القطع على كل من جحد شيئا من الأشياء ثم ثبت عليه. وهذا لا قائل به فيما أعلم.
ورابعها: إنه لا تعارض بين رواية من روى: (سرقت) ولا بين رواية من روى: (جحدت ما استعارت) إذ يمكن أن يقال: إن المرأة فعلت الأمرين، لكن قطعت في السرقة، لا في الجحد، كما شهد به مساق الحديث، فتأمله.
[ ص: 79 ] وأما الشفاعة قبل بلوغ الإمام: فقد أجازها أكثر أهل العلم لما جاء في الستر على المسلم مطلقا، لكن قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : ذلك فيمن لم يعرف منه أذى للناس، فأما من عرف منه شر وفساد فلا أحب أن يشفع فيه.
وأما الشفاعة فيما ليس فيه حد وليس فيه حق لآدمي، وإنما فيه التعزير - فجائزة عند العلماء، بلغ الإمام أم لا.
و(قوله: إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ) تهديد، ووعيد شديد على ترك القيام بالحدود، وعلى ترك التسوية فيما بين الدنيء والشريف، والقوي والضعيف. ولا خلاف في وجوب ذلك.
و(قوله: لو أن فاطمة سرقت لقطعت يدها ) إخبار عن مقدر يفيد القطع بأمر محقق، وهو وجوب إقامة الحد على البعيد والقريب، والبغيض والحبيب، لا تنفع في ذرية شفاعة، ولا تحول دونه قرابة ولا جماعة.
و(قولها: فحسنت توبتها، وتزوجت ... إلى آخره) يدل على صحة توبة [ ص: 80 ] السارق وأنها ماحية لإثم السرقة، وللمعرة اللاحقة، فيحرم تعييره بذلك، أو يعاب عليه شيء مما كان هنالك. وهكذا حكم أهل الكبائر إذا تابوا منها، وحسنت أحوالهم بعدها، تسمع أقوالهم، وتقبل شهادتهم. وهذا مذهب الجمهور، غير أن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة قال: لا تقبل شهادة القاذف المحدود مطلقا وإن تاب. وقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : لا تقبل شهادة المحدود فيما حد فيه، وتقبل في غيره.