3207 (4) باب إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنا
[ 1782 ] عن nindex.php?page=showalam&ids=16589علقمة بن مرثد، عن nindex.php?page=showalam&ids=16035سليمان بن بريدة، عن nindex.php?page=showalam&ids=134أبيه قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=660215جاء ماعز بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، طهرني، فقال: ويحك! ارجع فاستغفر الله وتب إليه. قال: فرجع غير بعيد ثم جاء فقال: يا رسول الله، طهرني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ويحك! ارجع فاستغفر الله وتب إليه. قال: فرجع غير بعيد، ثم جاء فقال: يا رسول الله، طهرني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، حتى إذا كانت الرابعة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيم أطهرك؟ فقال: من الزنى، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبه جنون؟ فأخبر أنه ليس بمجنون، فقال: أشرب خمرا؟ فقام رجل فاستنكهه، فلم يجد منه ريح خمر، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أزنيت؟ فقال: نعم، فأمر به فرجم، فكان الناس فيه فرقتين، قائل يقول: لقد هلك، لقد أحاطت به خطيئته، وقائل يقول: ما توبة أفضل من توبة ماعز، إنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده في يده، ثم قال: اقتلني بالحجارة، قال: فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم جلوس فسلم، ثم جلس فقال: استغفروا لماعز بن مالك. قال: فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم.
قال: ثم جاءته امرأة من غامد من الأزد فقالت: يا رسول الله، طهرني، فقال: ويحك، ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه. فقالت: أراك تريد أن تردني كما رددت ماعز بن مالك، قال: وما ذاك؟ قالت: إنها حبلى من الزنى، فقال: آنت؟ قالت: نعم، فقال لها: حتى تضعي ما في بطنك. قال: فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت، قال: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد وضعت الغامدية، فقال: إذا لا نرجمها وندع ولدها صغيرا، ليس له من يرضعه، فقام رجل من الأنصار فقال: إلي رضاعه يا نبي الله، قال: فرجمها.
رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد (5 \ 347 و 348) nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم (1695) (22) nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي في الكبرى (7163).
[ ص: 88 ] (4 و 5 و 6) ومن باب إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنى
و(قوله - صلى الله عليه وسلم -: أبه جنون ؟) هذا سؤال أوجبه ما ظهر على السائل من الحال التي تشبه حال المجنون، وذلك أنه جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منتفش الشعر، ليس عليه رداء، يقول: زنيت فطهرني كما قد صح في الرواية، وإلا فليس من المناسب أن ينسب الجنون إلى من أتى على هيئة العقلاء، وأتى بكلام منتظم مقيد، لا سيما إذا كان فيه طلب الخروج من مأثم.
و(قوله: أشرب خمرا؟ واستنكاههم له) يدل على أن من وجدت منه رائحة الخمر حكم له بحكم من شربها، وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ، nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز .
وقال آخرون: لا يحد بالريح بل بالاعتراف، أو البينة، أو يوجد سكران، وإليه ذهب nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء nindex.php?page=showalam&ids=16705وعمرو بن دينار ، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري غير أنه قال: يعزر من وجد منه ريح الخمر.
[ ص: 90 ] وظاهر هذا الحديث: أن السكران مثل المجنون في عدم اعتبار إقراره وأقواله، وبه قالت طائفة من أهل العلم، وقالت طائفة أخرى، وهو nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، وجل أصحابه: يؤخذ بإقراره; لأنه لا يعرف المتساكر من السكران، ولأنه لما كان مختارا لإدخال السكر على نفسه صار كأنه مختار لما يكون في سكره. وهذا مع أنا نقول: إن من ذهب عقله حتى لا يميز شيئا فليس بمكلف، ولا مخاطب خطاب تكليف في تلك الحال بالإجماع، على ما حكاه nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي وإنما يتعلق به خطاب الإلزام المسمى بخطاب الوضع والإخبار; على ما بيناه في الأصول.
واعترافه على نفسه أربع مرات يستدل به من يشترط في قبول إقرار الزاني العدد، وهم: الحكم ، nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي; فقالوا: لا يقام عليه الحد إلا إذا أقر على نفسه أربع مرات تمسكا بهذا الحديث، وبأن الإقرار بالزنى كالشهادة عليه، وقد انعقد الإجماع على أن شهود الزنى أربعة، فيكون الإقرار أربعة. ومن هؤلاء من شرط أن تكون الأربع الإقرارات في مجلس واحد، وإليه ذهب nindex.php?page=showalam&ids=16330ابن أبي ليلى ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وقال أصحاب الرأي: إذا أقر أربع مرات في مجلس واحد فهو بمنزلة مرة واحدة.
قلت: والأول مقتضى قياس الإقرار بالزنى على الشهادة به، وعلى القول الثاني يمتنع الإلحاق.
والصحيح: أنه لا يشترط في الإقرار بالزنى، ولا غيره عدد، وهو مذهب الجمهور: nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور . وبه قال الحسن ، وحماد . والدليل على صحة ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - رجم الغامدية بإقرارها مرة واحدة، ولم يستعد منها الإقرار، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: nindex.php?page=hadith&LINKID=656326 (واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها) ولم يأمره أن [ ص: 91 ] يستعيد إقرارها بذلك أربع مرات.
وأما تكرار اعتراف ماعز فإنما كان لأجل إعراضه عنه - صلى الله عليه وسلم - في الثلاث المرات ليستر نفسه، وليتوب، ولم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بإعادة ذلك. وأما قياسهم الإقرار على الشهادة فليس بصحيح، للفرق بينهما من وجوه متعددة؛ وذلك أن إقرار الفاسق والعبد على نفسه مقبول بخلاف شهادتهما، ويكفي منه في سائر الحقوق مرة واحدة بالإجماع، إلا من شذ فقال: إن الإقرار بالقتل لا يكون إلا مرتين كالشهادة به، ولو كان الإقرار كالشهادة مطلقا لاشترط فيه العدد مطلقا، ولو كان كالشهادة لما قبل إقرار المرأة على نفسها بأنها جرحت أو أعتقت; لأنها لا تقبل شهادتها في ذلك، فبطل تمسكهم بالخبر والقياس. والله الموفق.
ثم لما فرغ - صلى الله عليه وسلم - من استفصاله عن ذلك سأله عن الإحصان. فقال: (هل أحصنت؟) قال: نعم; يعني: هل تزوجت تزويجا صحيحا، ووطئت وطئا مباحا؟ فعندما أجابه بنعم، أمر برجمه، وذلك عند تحقق السبب الذي هو الزنى بشرطه; الذي هو الإحصان.
وقد أخذ علماؤنا من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود : أن شهود الزنى يصفون الزنى كما وصف ماعز فيقول الشاهد: رأيت فرجه في فرجها كالمرود في المكحلة. وإليه ذهب nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية ، nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ، nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ، وأصحاب الرأي.
[ ص: 92 ] و(قوله: فأمر به، فرجم )، وفي الرواية الأخرى: nindex.php?page=hadith&LINKID=711019 (فأمر به فحفر له) وفي الرواية الأخرى قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=660214 (فما أوثقناه، ولا حفرنا له) وفي حديث الغامدية : nindex.php?page=hadith&LINKID=660216 (أنها حفر لها إلى صدرها) اختلاف هذه الروايات هو الموجب لاختلاف العلماء في هذا الحكم الذي هو: الحفر. فلم يبلغ nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا من أحاديث الحفر شيء، فلم يقل به، لا في حق المرأة ولا في حق الرجل، لا هو ولا أصحابه. وكذلك قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، وأصحاب الرأي. وقالوا: إن حفر للمرأة فحسن. وقيل: يحفر لهما. وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبو يوسف . وروي في ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، ووسع nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=16472وابن وهب للإمام في ذلك، وخيراه.
هذه الروايات متواردة على أن ماعزا لما وجد ألم الحجارة صدر منه ما [ ص: 93 ] يدل على أنه أراد أن يرد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لا سيما وقد صرح بذلك في حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=675760 (فهلا تركتموه، وجئتموني به)، فاستنبط منه كثير من العلماء: أن المعترف بما يجب عليه من الحد إن رجع عن إقراره مطلقا لم يحد، وممن ذهب إلى هذا: nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء ، ويحيى بن يعمر ، nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ، وحماد ، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، وإسحاق ، والنعمان ، nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك في رواية القعنبي . وقيل: لا ينفعه رجوعه مطلقا، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ، والحسن ، nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى ، nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور وهي رواية ابن عبد الحكم عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب : قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : إن جاء بعذر قبل منه، وإلا لم يقبل ذلك منه.
قلت: وليس في شيء من هذه الروايات ما ينص على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل رجوعه مطلقا لا سيما مع قول nindex.php?page=showalam&ids=36جابر : ليستثبت في أمره، فأما لترك حد فلا. ولعله كان يستدعي منه النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجوع إلى شبهة كما صار إليه nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في رواية nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب . وهذا القول أعجب ما في هذه المسألة "إنه إن رجع إلى شبهة درئ عنه الحد، وإلا فلا".
وقد قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ، nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور : إذا هرب ترك اتباعا لهذه الزيادة. وقاله بعض أصحابنا. وقال: إن وجد بالفور كمل عليه الحد. وإن وجد بعد زمان ترك.
و(قوله: فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة ) الإشارة بـ (ذلك) إلى ما وقع لهم من الاختلاف في شأن ماعز يعني: أنهم بقوا كذلك إلى أن تبين لهم حاله بقوله: [ ص: 94 ] ( لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم ) والأمة: الجماعة من الناس. وقد يقال على الجماعة مما لا يعقل، فيقال: أمة من الحمير، ومن الطير. ومنه قوله تعالى: وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم [الأنعام: 38] ويعني بالأمة في هذا الحديث السبعين الذين ذكروا في حديث الغامدية .
[ ص: 95 ] وفيه دليل: على أن المرجوم يغسل، ويكفن، ويصلى عليه وفي معناه: كل من قتل في حد من المسلمين، غير أن الإمام يجتنب الصلاة على من قتله في حد; على مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل على ماعز .
و(قوله: لعلك قبلت أو غمزت) وفي بعض طرقه: (لعلك) واقتصر عليها.
فيه من الفقه: جواز تلقين الإمام للمقر ما يدرأ عنه الحد، وقد روي ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأئمة العلماء، وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لسارق: nindex.php?page=hadith&LINKID=671055 (ما إخالك سرقت) وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر ، nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر ، nindex.php?page=showalam&ids=4وأبي الدرداء قالوا لسارق: (أسرقت؟ قل [ ص: 96 ] : لا). وعن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : ما أرى يد سارق. وعن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : لعلك وجدته. وعن nindex.php?page=showalam&ids=8علي - رضي الله عنه - وقال لحبلى: لعلك استكرهت، لعلك وطئت نائمة. وقال للحبلى الباكية: إن المرأة قد تستكره. وقد أجاز ذلك nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، وإسحاق ، nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ، وغيرهم.
و(قوله: جاءت امرأة من غامد من الأزد ) كذا قال في هذه الرواية. وفي الرواية الأخرى: (من جهينة ) ولا تباعد بين الروايتين; فإن غامدا قبيلة من جهينة ، قاله عياض وأظن جهينة من الأزد وبهذا تتفق الروايات.
وقولها: ( إنها لحبلى من الزنى ) اعتراف منها من غير تكرار يطلب منها، ففيه دليل على عدم اشتراطه على ما مر، وكونه - صلى الله عليه وسلم - لم يستفصلها كما استفصل ماعزا ; لأنها لم يظهر عليها ما يوجب ارتيابا في قولها، ولا شكا في حالها، بخلاف حال ماعز فإنه ظهر عليه ما يشبه الجنون، فلذلك استفصله النبي - صلى الله عليه وسلم - ليستثبت في أمره، كما تقدم.
و(قوله - صلى الله عليه وسلم -: حتى تضعي ما في بطنك ) يدل على أن الجنين - وإن كان من زنى - له حرمة، وأن الحامل لا تحد حتى تضع; لأجل حملها، وهذا [ ص: 97 ] لا خلاف فيه إلا شيء روي عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة على خلاف عنه فيه.
ثم اختلف العلماء فيها إذا وضعت، فقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : إذا وضعت رجمت، ولم ينتظر بها إلى أن تكفل ولدها، وقاله nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في أحد قوليه، وهذا قول من لم تبلغه هذه الرواية التي فيها تأخير الغامدية إلى أن فطمت ولدها.
وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : أنها لا ترجم حتى تجد من يكفل ولدها بعد الرضاع، وهو مشهور قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وقول nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وإسحاق .
وقد اختلفت الروايات في رجمها متى كان؟ هل كان قبل فطام الولد، أو بعد فطامه. والأولى رواية من روى أنها لم ترجم حتى فطمت ولدها، ووجدت من يكفله; لأنها مثبتة حكما زائدا على الرواية الأخرى التي ليس فيها ذلك، ولمراعاة حق الولد، وإذا روعي حقه وهو جنين، فلا ترجم لأجله بالإجماع، فمراعاته إذا خرج للوجود أولى.
ويستفاد من هذه الرواية: أن الحدود لا يبطلها طول الأزمان وهو مذهب الجمهور، وقد شذ بعضهم فقال: إذا طال الزمان على الحد بطل، قاله nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة في الشهادة بالزنى والسرقة القديمين، وهو قول لا أصل له.