(قوله: العجماء جرحها جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس ) هكذا جاء هذا الحديث بمجموع هذه الأمور، فظاهره: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكرها في وقت واحد متصلة مجموعة، فيكون فيه حجة nindex.php?page=showalam&ids=16867لمالك على nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة في أن الركاز ليس هو المعدن; إذ قد عدل عن لفظ المعدن إلى اسم آخر في مساق واحد، وذكره بعده، فلو كان الركاز هو المعدن لقال: والمعدن جبار وفيه الخمس، وكان يكون أيسر وأفصح، وأبعد عن الإشكال، بل لو ذكر لفظ المعدن نفسه بدل الركاز فقال: وفي المعدن الخمس، لكان مستقبحا عند الفصحاء، فإنه وضع الظاهر موضع المضمر من غير فائدة ولا تفخيم، بل مع ما يجره من اللبس، وهذا النوع من الكلام ركيك، ويجل كلام الشارع أن يحمل عليه.
ويحتمل [ ص: 144 ] أن يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر هذه الأمور في أوقات مختلفة، فجمعها الراوي، وساقها سياقة واحدة، وحينئذ لا يكون فيه حجة على ما ذكرناه، لكن الظاهر الأول، والله تعالى أعلم.
و( الجبار ): الذي لا قود فيه، ولا دية، ولا شيء، وهو بضم الجيم، على وزن غراب.
و( العجماء ) - ممدودة، مهموزة-: اسم جنس لجميع البهائم، سميت بذلك لأنها لا تنطق، فظاهر قوله: ( العجماء جرحها جبار ) أن ما انفردت البهيمة بإتلافه لم يكن فيه شيء، وهذا مجمع عليه، فلو كان معها قائد، أو سائق، أو راكب، فحملها أحدهم على شيء فأتلفته لزمه حكم المتلف، فإن كانت جناية مضمونة بالقصاص، وكان الحمل عمدا; كان فيه القصاص. ولا يختلف فيه; لأن الدابة كالآلة، وإن كان عن غير قصد كانت فيه الدية على العاقلة، وفي الأموال الغرامة في مال الجاني قصدا كان أو غير قصد، وهذا كله لا يختلف فيه إن شاء الله تعالى.
واختلفوا فيما أصابته برجلها أو ذنبها، فلم يضمن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي صاحبها، وضمنه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى ، nindex.php?page=showalam&ids=16438وابن شبرمة .
واختلفوا في الضارية، فجمهورهم على أنها كغيرها nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك وبعض أصحابه يضمنونه.
واختلفوا فيما رعت المواشي، فضمن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ربها ما أفسدته ليلا دون ما أفسدته نهارا، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والجمهور، ومعتمد التفرقة: أن على أرباب الحوائط والمراعي حفظها نهارا; إذ غالب المواشي أنها تسرح فيه، ولا تنضبط، وعلى أرباب المواشي حفظها بالليل، فكأن رعي النهار تمكين من أرباب الزروع للماشية من الرعي، ورعي الليل تسليط من أرباب المواشي على الرعي.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : [ ص: 145 ] لا ضمان فيما رعته المواشي ليلا ولا نهارا تمسكا منه بالحديث، وهذا إنما يليق بأهل الظاهر لا nindex.php?page=showalam&ids=11990بأبي حنيفة .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث ، nindex.php?page=showalam&ids=15968وسحنون : يضمن ما رعت نهارا.
و(قوله: والبئر جبار ) يعني: إذا حفرها الإنسان في ملكه على الوجه الجائز، فلو حفرها في ملك غيره بغير إذنه، أو في طريق فهلك فيها شيء; ضمنه عند nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي فإن هلك فيها إنسان كانت ديته على الجاني، وكذلك لو حفرها لسارق; فهلك فيها.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث : لا دية فيه ولا ضمان، وكذلك الحكم في المعدن، فلو انهار المعدن على العملة; فإن كان رب المعدن قد غرهم كانت دياتهم على عاقلته، وإن لم يغرهم فهلكوا فيه لم يلزمه شيء ولا عاقلته.
والركاز عند nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك هو: ما يوجد من دفين الجاهلية، فخمسه لبيت مال المسلمين، وأربعة أخماسه لواجده. وهل هذا حكم كل ركاز، أو يختلف ذلك بحسب نوعه وأرضه؟ فيه خلاف بين أصحابنا وغيرهم، وكله مذكور في كتبهم.
و(قوله في حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس : أن رجلا كان يتهم بأم ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) هذه مارية أم إبراهيم ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يزورها رجل قبطي، فتكلم المنافقون في ذلك، وشنعوا، فأظهر الله براءتها بما ظهر من حال الرجل - وهذا نحو مما جرى nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة - رضي الله عنها - حتى برأها الله تعالى، وأظهر من حال المرمي أنه حصور، كل ذلك مبالغة في صيانة حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإظهار تكذيب من تفوه بشيء من ذلك.
و(قوله - صلى الله عليه وسلم - لعلي : اذهب فاضرب عنقه ) في هذا اللفظ إشكال، وهو: أنه - صلى الله عليه وسلم - كيف يأمر بضرب عنق هذا الرجل ولم يكن هناك موجب للقتل، وقد ظهر ذلك حين انكشف حال الرجل؟ ويزول هذا الإشكال: بأن هذا الحديث رواه [ ص: 146 ] nindex.php?page=showalam&ids=13863أبو بكر البزار فساق فيه أكمل من هذا وأوضح، فقال فيه: عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: كثر على مارية في قبطي ابن عم لها كان يزورها، ويختلف إليها، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (خذ هذا السيف فانطلق، فإن وجدته عندها فاقتله) قال: قلت: يا رسول الله! أكون في أمرك كالسكة المحماة، لا يثنيني شيء، حتى أمضي لما أمرتني، أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ فقال: (بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب)، وذكر الحديث بنحو ما تقدم.
فهذا يدل على أن أمره بقتله إنما كان بشرط أن يجده عندها على حالة تقتضي قتله، ولما فهم عنه علي ذلك سأله، فبين له بيانا شافيا، فزال ذلك الإشكال، والحمد لله ذي الجلال.
ويحتمل أن يقال: إن ذلك خرج من النبي - صلى الله عليه وسلم - مخرج التغليظ والمبالغة في الزجر على موجب الغيرة الجبلية، والأول أليق وأسلم، والله بحقائق الأمور أعلم.
وفيه من الفقه: إعمال النظر، والاجتهاد، وترك الجمود على الظواهر، وأنه يجوز الاطلاع على العورة عند الضرورة، كتحمل شهادة الزنى، كما صار إليه nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك .