(قوله: لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه ) هذا الحديث رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري مرفوعا من حديث nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13722الأصيلي : لا يصح رفعه، وإنما هو من قول nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، كذلك رواه nindex.php?page=showalam&ids=12341أيوب ونافع الجمحي عن nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة .
قلت : إذا صح رفعه بشهادة الإمامين فلا يضره من وقفه، ولا يكون ذلك [ ص: 148 ] تعارضا، ولا اضطرابا، فإن الراوي قد يعرض له ما يوجب السكوت عن الرفع من نسيان، أو اكتفاء بعلم السامع، أو غير ذلك. والرافع عدل، ثبت، ولم يكذبه الآخر، فلا يلتفت إلى الوقف إلا في الترجيح عند التعارض، كما بيناه في الأصول.
وهذا الحديث أصل من أصول الأحكام، وأعظم مرجع عند التنازع والخصام، يقتضي ألا يحكم لأحد بدعواه - وإن كان فاضلا شريفا - بحق من الحقوق - وإن كان محتقرا يسيرا - حتى يستند المدعي إلى ما يقوي دعواه، وإلا فالدعاوي متكافئة، والأصل: براءة الذمم من الحقوق، فلا بد مما يدل على تعلق الحق بالذمة، وتترجح به الدعوى.
و(قوله: لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ) استدل به بعض الناس على إبطال قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في التدمية.
ووجه استدلاله: أنه - صلى الله عليه وسلم - قد سوى بين الدماء والأموال في أن المدعي لا يسمع قوله فيها، فإذا لم يسمع قول المدعي في مرضه: لي عند فلان دينار أو درهم; كان أحرى وأولى ألا يسمع قوله: دمي عند فلان; لحرمة الدماء، ولا حجة لهم فيه; لأن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا - رحمه الله - لم يسند القصاص أو الدية في التدمية لقول المدعي: دمي عند فلان; بل للقسامة على القتل، والتدمية لوث يقوي جنبة المدعين حتى يبدؤوا بالأيمان كسائر أنواع اللوث التي تقدم ذكرها في كتاب القسامة، وقد بينا ذلك فيه، وعلى هذا: فنقول بموجب الحديث، فتأمله.
و(قوله: ولكن اليمين على المدعى عليه ) المدعى عليه: هو المطلوب منه، والمدعي: هو الطالب، وإنما كانت اليمين على المدعى عليه; لأن الأصل براءة ذمته عما طلب منه، وهو متمسك به. لكن يمكن أن يقال: قد شغلها بما طلب منه، فيدفع ذلك الاحتمال عن نفسه باليمين إن شاء، وظاهر عموم هذا اللفظ [ ص: 149 ] يقتضي: أن اليمين تتوجه على كل من ادعي عليه; كانت هنالك مخالطة أو لم تكن، وهو قول أكثر الفقهاء،وابن نافع ، وابن لبابة من أصحابنا.
وذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وجل أصحابه: إلى أن اليمين لا تتوجه على المدعى عليه حتى تثبت بينهما خلطة، وهو مذهب الفقهاء السبعة ، وبه قضى nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، وإنما مال هؤلاء إلى هذا مراعاة للمصلحة، ودفعا للمفسدة الناشئة من ذلك؛ وذلك: أن السفهاء يتبذلون الأفاضل والعلماء بتكثير الأيمان عليهم مهما شاؤوا، حتى يحلف الرجل الجليل القدر في العلم والدين في اليوم الواحد مرارا، ويكون ذلك الوضيع يقصد ذلك به ليتخلص منه بما يبذله، ويهون على أهل الدين والفضل بذل الجزيل من المال في مقابلة دفع هذا الامتهان والابتذال.
ثم اختلف مشايخنا في معنى الخلطة. فقيل: معرفة المعاملة والمداينة معه بشاهد أو شاهدين. وقيل: أن يكون المدعى عليه يشبه أن يعامل المدعي. وقيل: يجزئ من ذلك الشبهة.
وأجمع العلماء على استحلاف المدعى عليه في الأموال، واختلفوا في غير ذلك، فذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور إلى وجوبها على كل مدعى عليه في حد، أو طلاق، أو نكاح، أو عتق; أخذا بظاهر عموم الحديث، فإن نكل حلف المدعي، وثبتت دعواه، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ، وأصحابه: يحلف على النكاح، والطلاق، والعتق، وإن نكل لزمه ذلك كله. وقال nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة : لا يستحلف في الحدود والسرقة. وقال نحوه nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك . قال: ولا يستحلف في السرقة إلا إذا كان متهما، ولا في الحدود، والنكاح، والطلاق، والعتق، إلا أن يقوم شاهد واحد، فيستحلف المدعى عليه لقوة شبهة الدعوى.
و(قوله: البينة على المدعي ) هذا بيان حكم المدعي، وإن لم يتعرض لبيان حكم المدعى عليه، وهو تعيين اليمين عليه، لكنه قد بين ذلك في حديث الحضرمي الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - للمدعي: nindex.php?page=hadith&LINKID=652332 (شاهداك أو يمينه) وقد تقدم في الأيمان.