ذهب الجمهور من السلف وغيرهم إلى الأخذ بهذا الظاهر في تحريم السباع، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة ، nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك في أحد قوليه، وهو الذي صار إليه في "الموطأ" وقال فيه: وهو الأمر عندنا، وروى عنه العراقيون الكراهة، وهو ظاهر "المدونة"، وبه قال جمهور أصحابه.
تنبيه: هذا الخلاف إنما هو في السباع العادية المفترسة كالأسد، والنمر، والذئب، والكلب. وأما ما ليس كذلك فجل أقوال الناس فيه: الكراهة. وحيث صار أحد من العلماء إلى تحريم شيء من هذا النوع; فإنما ذلك لأنه ظهر للقائل بالتحريم أنه عاد، وذلك كاختلافهم في الضبع، والثعلب، والهر وشبهها. فرآها قوم من السباع فحكموا بتحريمها، وأجاز أكلها: nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، وإسحاق ، nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، وجماعة من الصحابة، وكرهها nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك . حكى ذلك nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض .
قلت: والصحيح ما ذهب إليه الجمهور. والله أعلم بحقائق الأمور.
و(قوله: عن كل ذي مخلب من الطير ) هو معطوف على قوله: ( nindex.php?page=hadith&LINKID=670512نهى عن كل ذي ناب من السباع ). وقد تقرر أن ذلك النهي محمول على التحريم في السباع، [ ص: 217 ] فيلزم منه تحريم كل ذي مخلب من الطير; لأن الواو تشرك بين المعطوف والمعطوف عليه في العامل ومعناه; لأنها جامعة.
وقد صار إلى تحريم كل ذي مخلب من الطير طائفة; تمسكا بهذا الظاهر، وممن قال بذلك: nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي . وأما مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : فحكى عنه ابن أويس كراهة أكل كل ذي مخلب من الطير، وجل أصحابه ومشهور مذهبه على إباحة ذلك; متمسكين بقوله تعالى: قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما [الأنعام: 144] وقد تقدم الكلام عليها، والظاهر: التمسك بما قررناه من ذلك الحديث الظاهر.
وتقييد الطير بـ (ذي المخلب) يقتضي منع أكل سباع الطير العادية: كالعقاب، والشاهين، والغراب، وما أشبهها، ولا يتناول الخطاف وما أشبهها.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي ثعلبة في أواني أهل الكتاب : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=663853إن وجدتم غير آنيتهم، فلا تأكلوا فيها ) إنما كان هذا لأنهم لا يتوقون النجاسات فيأكلون لحم الخنزير، وربما أكلوا الميتات، فإذا طبخوا ذلك في القدر تنجست، وربما سرت النجاسة في أجزاء قدور الفخار، فإذا طبخ فيها بعد ذلك وبعد أن غسلت توقع مخالطة تلك الأجزاء النجسة للمطبوخ في القدر ثانية; فاقتضى الورع الكف عنها، وقد أشار إلى هذا nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ; فإنه روي عنه أنه قال: إن كان الإناء من نحاس أو حديد: غسل، وإن كان من فخار: أغلي فيه الماء، ثم غسل.
و(قوله: وإن لم تجدوا غيرها فاغسلوه ) هذه إباحة عند الحاجة، لكن [ ص: 218 ] بشرط الغسل; فإن الماء طهور، لكن ينبغي أن يكون الغسل على ما قاله nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس كما حكيناه عنه آنفا، وهذا فيما يطبخون فيه من أوانيهم، فأما ما يستعملونه من غير أن يطبخوا فيه: فخفيف، إن لم تظن فيه نجاسة، وقد توضأ nindex.php?page=showalam&ids=2عمر - رضي الله عنه - من بيت نصراني في حق نصرانية.
فأما لو كان الإناء من أواني الخمر، أو مما يجعل فيه شيء من النجاسات، فلا شك في المنع من استعماله; إلا أن يغسل غسلا بالغا; فإن كان منها ما يبعد انفصال النجاسة عنه، لم يجز استعماله ألبتة.
قلت: ويظهر لي - على مقتضى هذا الحديث - أنه لا ينبغي للورع أن يقدم على أكل طعام أهل الكتاب ما وجد منه بدا; بل هو أولى بالانكفاف عنه من الأواني. والله تعالى أعلم.